/ صفحه 159/
ونظرة واحدة في كتاب (العلم الشامخ) وما علق عليه مؤلفه المقبلى ترينا المقبلى مجدداً وترينا المقبلى مصلحاً وترينا المقبلى علامة مجتهداً، وتدلنا على أن المقبلى ما كاد يتوسط في دراسته لكتب الدين حتى تنبه لما عليه أهل عصره من الجمود على ما عليه آباؤهم وأجدادهم، وأخذهم جميع ما تركوا لهم من آراء وأقوال في كتب مخصوصة قضايا مسلمة لا يدور حولها نقاش ولا نقد ولا جدال، نتيجة للتقليد الذي أوجبوه على أنفسهم، فكان حائلا بينهم وبين الفهم لكتاب الله تعالى، ولسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا فرق بين مذهب ومذهب، وبين قطر وآخر، يناقش مشايخه في كل ما لم يظهر له دليله حتى ولو كان امام زمانه (المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم) أو محقق عصره (السيد حسن بن أحمد الجلال) غير ناظر الى استهزاء المستهزئين ولا كيد الحاسدين كما هو شأن كل مجدد، وكما هي العادة عند كل مصلح، كما يراه أيضاً شديداً على هؤلاء المقلدين صارخاً بالتبرى من التقليد ومن التمذهب في غضون أبحاث الكتاب نثراً ونظماً، داعياً الى وجوب الاجتهاد على من عرف علوم الاجتهاد المعروفة وشب عن الطوق أو شاب ناهياً عن التقليد من قد استطاع الى الاجتهاد سبيلا.
وما يكاد القارىء لكتاب (العلم الشامخ) هذا يتوسّط في خطبة كتابه حتى يندهش كثيراً حينما يقرع سمعه اعلان المقبلى حريته الفكرية واجتهاده المطلق في أول ما تلمس يده هذاالكتاب ويفتح أول ورقة من أوراقه وفي ثانى صفحة من صفحات هذا الكتاب القيّم بشجاعة أدبية وحرية فكرية لايعهدها ذلك العصر، الجامد ولا يكاد يعرفها اذ يسمعه يقول: (هيهات لقد أعمى التعصب البصائر وأفسد التمذهب السرائر غير أنى ذاهب الى ربى سيهدين). ويسمعه يقول أيضاً: (اللهم انّه لامذهب لى الا دين الاسلام فمن شمله فهوأخى وصاحبى). ويقول أيضاً: (انى برىء من الانتساب الى امام معين يكفى أنى من المسلمين فإن سئلت ولم يبق لى من الاجابة بدّ قلت مسلم مؤمن). ثم يراه يقتحم كل لجة من بحار العلوم الاسلامية العميقة ويخوض تلك البحار خوض الجسور لا الجبان الحذور ويراه قد توغل في كل مشكلة يهاب الدّخول فيها غيره من علماء ذلك العصر الذي