/ صفحه 160/
ساد فيه الجمود. وهجم على كل معضلة يخاف من الهجوم عليها كثير من فقهاء ذلك القرن الذي وجب فيه التقليد وعم فيه الركود وتفحص عن عقيدة كل فرقة من فرق الاسلام. واستكشف كل مذهب مشهور من مذاهب علماء الاسلام وفرق بين المحقّ والمبطل والمتعسف والمنصف وبين الشيعى والسنى وبين المتكلم والسلفى وبين الاشعرى والمعتزلى وبين الفقيه والصوفي وبين المحدث والجدلى وبين صاحب السنة وصاحب البدعة وبين المجتهد والمقلد وبين الدليل وشبه الدليل وهلم جرا لا يقال له قول سنى أو شيعى الا وقد عرف كيفية تسننه أو تشيعه ولا يمر بقول سلفي الا وقد ظهر له وجه قوله. ولا يذكر كلاما لمتكلم الا واجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومآله. ولا يمضى على قول جدلى الا وقد اتضح له صحة مناظرته وجداله. ولا يسوق كلاماً لمعتزلى الا وقد اتضح له وجه دعواه ولا أشعرى الا وقد ظهر له مفهوم كلامه وفحواه ولا يقبل رواية راو من أهل الحديث الا وقد عرف صحة ما رواه ولا يقبل رأى فقيه أستطره في كتابه الا وقد برهن الفقيه على وجه مارواه. ولا يعترف لصاحب السنة الا اذا قد طابق اسمه مسماه ولايمر عليه رأى لمبتدع الا أنكر عليه هواه وكم يشن الغارة على ما يراه في أقوال الصوفية من البدع في الدين والمخالفة لنهج سيد المرسلين وهكذا وهلم جرا.
كل ذلك استطاعه المقبلى بما أوتى من فكر ناضج وعقل راجح وملكة راسخة في العلوم واطلاع واسع في جميع المعارف وقدم ثابتة في جميع الفنون وحرية فكرية حقة واستقلال علمى تام واجتهاد مطلق لا يعرفه ذلك العصر مع بيان رائع وأسلوب ساحر وكلام جذاب لذوى العقول والالباب.
أفرأيت أيها القارىء الكريم، هذا الكتاب الذي لاينتمى الى مذهب غير الاسلام ولا ينتسب الى فرقة من الفرق غير شريعة الاسلام ولايعتزى الى امام من أئمة العلم غير نبى الاسلام. ولا يعتمد على كتاب غير السنة والقرآن.أخرجه مؤلفه في عصر أوجبوا فيه التقليد وحمدوا فيه الجمود.
وان هذا العرض الموجز لدليل كاف على ما كنت قلته في أول مقالى هذا