/ صفحه 195/
البيانية في موضعها من الشعر الحي إلا كالملامح والتقاسيم في مواضعها من الجمال الحي، وكثيراً ما يخيل الىّ حين أتأمل بلاغة اللفظ الرشيق إلى جانب لفظ جميل في شعر محكم السبك ان هذه الكلمة من هذه الكلمة كحب رجل متأنق يتقرب من حب امرأة جميلة، وعطف أمومة على طفولة، وحنين عاطفة لعاطفة، إلى أشباه ونظائر من هذا النسق الرقيق الحساس، فإذا قرأت في شعر أصحابنا أولئك رأيت من لفظ كالشرطي أخذ بتلابيب لفظ كالمجرم … إلى كلمتين هما معاً كالضارب والمضروب … إلى همج ورعاع وهرج ومرج وهيج وفتنة … أما القافية فكثيراً ما تكون في شعرهم لفظاً ملاكما … ليس أمامه إلا رأس القارئ ".
ومرجع هذا عندي ـ كمرجع البساطة التي نلاحظها في كثير من أشعارهم ـ إلى عدم العناية باستظهار الآداب القديمة، والشعر القديم بنوع خاص، فإن لهم نفوساً مرهفة لا تصبر على المطالعة والدرس، وهم مع رغبتهم في المجد الأدبي يملون العمل، ويتوهمون أنهم واصلون بأيسر المجهود، ولعل من النماذج العجيبة في هذا الشأن أن واحداً منهم أخرج ديوانين من الشعر، وهو لا يحفظ من الشعر القديم إلا أيسر اليسير.
وربما وجدت في شعر بعضهم مسحة من الشعر القديم، ولكن مرد ذلك عند هؤلاء إلى أن الواحد منهم حين يهيئ نفسه لنظم قصيدة يضع تحت بصره قصيدة للبحتري أو للمتنبي ثم ينسج على منوالها وزنا وقافية، فيجئ التشابه في المعنى حيناً، وفي الألفاظ أحياناً كثيرة.