/ صفحه 285/
فمن كان متفوقا مثلا في الناحية العقلية، فإنه يميل إلى الحط من قدر القوة الجسمية، والجبان غالبا ما يستهزئ بالشجاعة ويصغر من شأنها، والبخيل يعتقد أن الكريم أخرق أبله غير حازم، والمنافق يعيب ويستهزئ بالمؤمن ليخفى ما في نفسه من مركب النقص، ويقهر الشعور بالضعف والقصور.
وعلى ضوء هذا الجانب النفسي نفهم سر قوله تعالى في وصف المنافقين: ))وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء((
ومن أعراض عقىة النقص قلق مبعثه شعور بالخوف من افتضاح أمره واكتشاف نقصه، فيتخذ لذلك مسلكا يعوض به نقصه ويخفي به قلقه، وهذا هو سر الحلف والتأكيد فيما حكاه الله عن المنافقين فقال تعالى: " إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله ".
ففي هذه الآية جملة تأكيدات لتعوض شعورهم بالنقص ولتستر خوفهم من فضيحة أمرهم.
أول تلك التأكيدات قولهم: " نشهد " قال أبو حيان في تفسيره (المحيط) " نشهد " يجري مجرى اليمين، ولذلك تلقي بما يتلقى به القسم، فقالوا: " إنك لرسول الله ".
ثانيها: (إنّ) في صدر جملة جواب القسم.
ثالثها: (اللام) في خبر (إن).
رابعها: الجملة الإسمية.
وراء كل هذه التأكيدات تحصن المنافقون ليخفوا شعورهم بالنقص، ولذلك قال تعالى: " والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " فلم تواطئ قلوبهم ألسنتهم، وهم كاذبون حتى أمام أنفسهم، وإنما لجئوا إلى الحلف ليتخذوا منه جنة يستترون بها، ومسلكا يعوضون به شعورهم بالنقص، فقال تعالى: " اتخذوا أيمانهم جنة ".