/ صفحه 130/
القلب على الحق، ويثبت دعائم الإيمان بالله، وبالخير الإنساني، فإن الكلام الطيب كما أنه ثمرة للإخلاص هو ينميه، ومثله كمثل الشجرة تتفرع الفروع من جذورها والجذور مع ذلك تتغذى منها، وتستفيد نماء عن طريقها، ولو أصابتها آفة سرت الآفة إلى الجذور، ولو قطعت من أطرافها لتأثر بذلك نماء عروقها الغائصة في باطن الأرض.
ولقد مثل الله سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة ذات الأثر بالشجرة الطيبة، والكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة من حيث عمق الأثر وبقاؤه، فقد قال تعالت كلماته: ((ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت، وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء)).
4- ولقد وضح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أثر اللسان في تنمية الإخلاص، وتقوية الإيمان، وجعل القلب خالصا للحق، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي الى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدى إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا)). وإن ذلك الحديث النبوي الشريف يعد من جوامع الكلم، وفيه كشف دقيق واضح عن أحوال النفس الإنسانية، فإن الصدق في عموم معناه يهدي إلى البر، وذلك لأن الصدق ذو شعب شتى، وأول شعبة منه يدخل في عمومها الإخلاص الذي هو أول الخط الخلقي المستقيم، الذي هو الصراط المستقيم، ذلك أن الإخلاص صدق النفس في طلب الحق، وصدق القلب في الإيمان له وصدق الجوارح في تنفيذ حقيقة الإيمان.
والشعبة الثانية من شعب الصدق أن يكون اللسان صادقا غير ممار في بيان ما يجول في الجنان، وإن ذلك من شأنه أن يهذب النفس، فإن في طبع الإنسان ألا يعلن عيوبه ولا يكشفها فإذا التزم الصدق في حكاية نفسه أمام الناس قاوم