/ صفحه 131/
دواعي الشر فيها، ولقد أصلح النبي النفس الفاسدة بالصدق، فإنه يروى أن بعض الأعراب شكا إليه أنه ارتكب كل الموبقات، وأنه يريد علاجا لأدواء نفسه، فأشار عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتزام الصدق واجتناب الكذب، فأعطي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك العهد والميثاق، فكان إذا حدثته نفسه بموبقة مما كان يرتكب خشى أن يسأله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيكذب، وينقض عهده الذي عاهد عليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيكذب، وينقض عهده الذي عاهد عليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يصدقه وحياؤه يمنعه، والعقاب الذي يتوقعه إن جاهر بما ارتكب يترقبه، وما زال على عهده حتى تاب وأناب، وصار برا تقيا، بعد أن كان فاجرا شقيا.
والشعبة الثالثة من شعب الصدق أنه يصدق المرء في وصف نفسه أمام نفسه، فلا يبرر سيئاتها، ولا يكبر حسناتها، بل يتكشف عيوبها أمام عينينه ليعالجها، لكيلا يكون ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا، فإن ذلك سبيل الضلال، ولذا قال سبحانه: ((أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون)).
والشعبة الرابعة أن ينطق بالحق لذات الحق، قاصدا به وجه الله تعالى لا يريد سواه.
1 وإن الصدق على هذا المعنى وبهذه الشعب التي ذكرناها وبغيرها يهدى القلب إلى البر، ويزكي فيه دواعي الخير، وإنه إذا صار ذلك الصدق عادة نفسية له في كل ما يقول وما يفعل، وما يحس لا يرجو غير الله في قول ولا فعل، يكون صديقا، ومرتبة الصديقين هي المرتبة العالية التي تلي مراتب النبيين، بل هي من أخص أوصاف النبيين، فالصديق هو الذي يكون كل ما فيه من فضائل وأفعال تتجه نحو الحقيقة المجردة دون عوج في السير، ولا التواء في القصد، ولا انحراف عن الغاية الإنسانية الفاضلة، فهو وصف يجمع كل مكارم الأخلاق، ولذا وصف الله به النبيين، فقال في بعضهم: ((إنه كان صديقا نبيا)) فهو أعلى درجات الفضيلة الإنسانية ومن أعظم مراتب اليقين.
2 هذه خواص الصدق وأثره في أفعال القلوب، وأعمال الناس، وإن أثر