/ صفحه 138/
فإياك أن تكون منهم، فقال له اجلس، فإنما أنت نخالة أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم.
وروى أنه دخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل أيها الأمير، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل أيها الأمير، فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا: قل الأمير، فقال معاوية: دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول، فقال إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها، فإن أنت هنأت جرباها، وداويت مرضاها، وحبست أولاها على أخراها وفاك سيدها أجرك، وإن أنت لم تهنأ جرباها، ولم تداو مرضاها ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدك.
وقد كان من الحاقدين على الفقهاء من لا يعينونهم علي عبئهم بل يستعدون السلطان عليهم بحجة أن الأحكام التي اجتهدوا فيها واستنبطوها تسيء إلى السطان من قريب أو من بعيد، وكان من الفقهاء من تبلغ به الفطنة والذكاء إلى أن يعكس القضية عليه، ويبين أن في اجتهاده تأييدا للسلطان، وأن تقويض السلطان من أساسه هو فيما يريده هذا اللاحي، كما وقع بين الربيع حاجب المنصور وأبي حنيفة النعمان.
ورد في تاريخ بغداد عن أبي يوسف قال: دعا المنصور أبا حنيفة، فقال الربيع حاجب المنصور - وكان يعادي أبا حنيفة - يا أميرالمؤمنين هذا أبو حنيفة يخالف جدك، كان جدك عبدالله بن عباس يقول: إذا حلف على اليمين ثم استثنى بعد ذلك بيوم أو يومين جاز الاستثناء، فقال أبو حنيفة: لا يجوز الاستثناء إلا متصلا باليمين. فقال أبو حنيفة: يا أميرالمؤمنين إن الربيع يزعم أنه ليس لك في رقاب جندك بيعة، قال وكيف، قال يحلفون لك ثم يرجعون إلى منازلهم فيستثنون فتبطل أيمانهم، قال: فضحك المنصور وقال: يا ربيع لا تعرض لأبي حنيفة، فلما خرج أبو حنيفة قال له الربيع: أردت أن تشيط بدمي، قال لا، ولكنك أردت أن تشيط بدمي فخلصتك وخلصت نفسي.