/ صفحه 261/
وهب الحاجة ماسة إلى قليل أو كثير من تلك القواعد، فما حاجتنا إلى ((العلوم البلاغية)) بأصولها المعقدة، وتفصيلاتها المرهقة، وبهرجها الصناعي الأجوف، وأمثلتها المرددة التي تثير الضحك حينا والضجر أحيانا؟ وما غناؤها في هذا العصر؟ وما مكانها بين البلاغات الحديثة؟
ثم ما ذلك العلم الذي يسمونه: علم الشعر، أو علم العروض والقوافي، بحدوده وقيوده، وعقباته التي ينثرها في طريق الشعراء: فتكد عقولهم، وتحد أخيلتهم، وتعجز وسائلهم، وتحول بينهم وبين الكمال الفني والتوفيق؟
لقد انتظم السؤال - كما يبدو، وكما أشرت قبلا - سلسلة من الأسئلة الدقيقة العمقية، تتطلب الإجابة عنها فيضا من البحوث، والدراسات الواعية المتثبتة، ميدانها معاهد العلم المتخصصة، لا المجلات العامة، ولا الصحف السيارة. لكن هذا لن يقف حائلا دون الرد الذي يجمع - إلى حد ما - بين اللمحة الخاطفة النافعة، والإقناع المركز المفيد.
فأما أن القواعد النحوية والبلاغية وغيرهما من فروع العربية جامد على التجديد الحميد، مستعص على التيسير المأمون، والتجميل البارع، فتلك دعوى لم تقم عليها بينة، ولم يقل بها ثقة خبير ممن يعرفون للقول خطره وجلال شأنه، وسوف أناقش ذلك في مقالات خاصة تعلن زيفه، وترسم السبيل القويم - كما أراه - لوجوه من الجدة والطرافة، وألوان من التقوية والتطرية، تجول في خواطر أنصار الفصحى وأعوانها الأبرار بنهج لا تخلف فيه ولا تهور، ولا بطء ولا اندفاع.
أما كلمة اليوم فإني جاعلها لما وسم بأنه: اقتراح الحروف اللاتينية واستخدامها مكان الحروف العربية.
إن أنصار الحروف اللاتينية والاستغناء بها عن الحروف العربية يؤيدون دعواهم بأن القاريء العربي لا يستطيع أن يقرأ ما يقع عليه ناظره قراءة صحيحة سليمة إلا إذا فهمه أولا، وأدار فيه فكره، فكلمة مثل: سمع، أو: فهم، أو: علم،