/ صفحه 178/
خلافتهما، وعلل ذلك بما يؤكد إنصافه وحرصه على وحدة المسلمين، وعلى قول كلمة الحق. ولم يرض لنفسه في موقفه هذا أن ينحرف في تيار الخلاف في الرأي إلى درجة الممالأة لعواطف الثائرين من الأتباع والمحبين، على حساب الصالح العام، وعلى حساب وحدة المسلمين بما يجرهم إلى تفريق كلمتهم وصدع بنيان وحدتهم.
فبرر في هذا الموقف قيام خلافة أبي بكر، وقال بجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.
وفي ذلك يقول أبو جعفر الطبري في كتابه " تاريخ الأمم والملوك " متحدثا عن بعض الذين بايعوا زيدا في الكوفة: " أجتمعت إليه جماعة من رءوسهم فقالوا: رحمك الله ما قولك في أبي بكر وعمر؟ قال زيد: رحمهما الله وغفر لهما: ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما ولا يقول فيهما إلا خيرا، قالوا: فلم تطلب اذاً بدم أهل هذا البيت إلا أن وثبا على سلطانكم فنزعاه من أيديكم، فقال لهم زيد: إن أشد ما أقول فيما ذكرتم: أنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس أجمعين، وأن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً؛ قد ولوا فعدلوا في الناي وعملوا بالكتاب والسنة ".
وقد كان الإمام زيد ولا شك واسع الأفق؛ لا يتعصب لرأيه تعصبا يحول بينه وبين أن يقول كلمة الحق ويشهد لصاحبها ولو كان من خصومه في الرأي؛ كما أنه لم تمنعه الخصومة في الراي من أن ينتفع بعلم العلماء ويتتلمذ عليهم ولو كانوا من غير المعروفين بالتشيع لأهل البيت. ولهذا رأيناه يتتلمذ لواصل بن عطاء رأس المعتزلة رغبة منه في أن يتحلى بالعلم وأن يحصل الأصول والفروع على الرغم من اعتقاد واصلٍ: أن علي بن ابي طالب ـ في حروبه التي جرت بينه وبين أصحاب الجمل وأهل الشام ـ ما كان على يقين من الصواب، وأن أحد الفريقين منهما كان على الخطأ لا بعينه " (1).
كان الإمام زيد إذاً بعيد النظر، سليم الفطرة، حريصا على جمع الكلمة

ــــــــــ
(1) الملل والنحل للشهرستاني.