/ صفحه 306/
وتمكنا منها، ونقداً لها، قد استعملها فيما قرأت له مرتين بمعنى جميع: مرة إذ يقول عن خصال الإنسان والحيوان:
" وقالوا كل ذي ريح منتنة، وكل ذي دَفَر (1) وصُنان كريه المشمة كالنسر وما أشبه، فإنه متى خُصى نقَص نتنة، وذهب صُنانه غير الإنسان؛ فإن الخصي يكون أنتن، وصُنانه أحد، ويعم أيضاً خبث العرق سائر جسده (2) ".
ومرة أخرى حين يقول عن خصال الحَرَم: " وإذا عم (يعني المطر) جوانب البيت، كان المطر والخصب عاما في سائر البلدان (3)".
وردت الكلمة إذاً بالمعنيين، ولا مانع أن تكون مشتقة من الأصلين، فإن تكن من سئر بمعنى بقي، فاسم فاعل بمعنى الباقي، وإن تكن من سار، فاسم فاعل بمعنى الماشي. وكأن العموم جاءها حينئذ من قبل أنها استعملت أول الأمر في طوائف الإنسان، أو في أنواع الحيوان عامة، فكان يقال مثلا: سائر المقاتلين، أو سائر الابل، بمعنى الماشي من هؤلاء أو هؤلاء، أي جميع هؤلاء أو هؤلاء، إذ المشي وصف جامع يلتقي فيه الحيوان كله، ثم كان التوسع في استعمالها، فنقلت من الحيوان إلى سواه، ومن المحسوسات إلى المعنويات، كما يصنع بكثير.
ولا داعي إلى التعصب، والتزام ما التزم الأقدمون في اشتقاقها، إذ رآها فريق من السؤر فقط، وذهب بها إلى معنى الباقي لا غير، ورآها فريق آخر من السير فقط، وذهب بها إلى معنى جميع لا غير. وراح كل يجهد نفسه، ويعمل فكره في الاحتجاج لرأيه، ونقض آراء مخالفيه.
والكلمات التي تحتمل الاشتقاق من أكثر من أصل كثيرة، وليست " سائر " إلا واحدة منها: فالميدان اما من ماد، إذا تلوي واضطرب، وإما من المدى، وهو الغاية، وإما من مدن (4) يمدُن إذا أقام (5). ولكل أصل ما يسوغ الأخذ به ويزكيه، كما أن له كذلك أثراً في الوزن والبنية.

ــــــــــ
(1) الدفر: النتن.
(2) تهذيب الحيوان: 16.
(3) تهذيب الحيوان: 79.
(4) في القاموس أنه فعل ممات.
(5) تاج العروس.