/ صفحه 307 /
والمَلَك يرى الكسائي أنه من الألوكة، وهي الرسالة؛ لأن الملك رسول من عند الله، ويرى أبو عبيدة أنه من لأكه بمعنى أرسله، ويرى ابن كيسان أنه من الملك؛ لأنه مالك للأمور التي جعلها الله إليه، وهكذا (1).
هذه حال النقد اللغوي في تأثره بالحياة التي كان يحياها الناس قديما. وكان المرجي وقد تغيرت ظروف هذه الحياة وأساليبها أن يتغير تبعاً لذلك سمت النقد اللغوي الحديث، وأن ينهج نهجاً آخر غير الذي كان ينهجه في القديم، لكن الواقع يجري على خلاف ذلك تماماً أو يكاد.
ألم نكن إلى زمن قريب، قبل أن يضيق نطاق الصحف اليومية ويتغير تبويبها، نقرأ من الحين بعد الحين كلمات في النقد اللغوي، تغلب عليها الجرأة، ويقل فيها التحفظ، إذ كان أصحابها لا يترددون في اتهام كثير من المفردات بالخطأ والانحراف، لأسباب يرونها كافية، وما هي في الواقع بكافية ولا بذات غناء.
لقد كان قصارى ما يعمل أكثرهم أن يرجع إلى معجمه أو معاجمه، يبحث عن اللفظه المنكوبة، ولا شئ سوى هذا، فإن عثر عليها ثمة فصحيحة، وإلا أعلن بملء فيه، وبلا تحرج أنها دخليةن لا أصل لها في اللغة ولا فصل، كأن اللغة هي معجمه أو معجماته، أو المعجمات كلها، ما عرفنا منها وما لم نعرف، وما جاءنا منها وما لم يجئ.
هيهاتن فاللغة أكثر من ذلك جداً، إنها المعجمات في أنواعها المتعددة وموضوعاتها المختلفة، وكلام الله في قراءاته الكثيرة، ونصوص اللغة الصحيحة، في لهجاتها المتباينة، وأقوال العلماء، وتخريجاتهم للكلمات، إنها كل ذلك وأكثر منه.
لذلك كنا لا نلبث أن نقرأ لكل نقد رداً، يصوب ما عُدّ خطأ، ويلتمس وجها من الهداية لما ظن منحرفا. وقلما كان يتميز في هذا فريق من فريق، أو يختلف الشباب وغير الشباب.
ففي كتاب أغلاط اللغويين الأقدمين، يورد صاحبه الأب أنستاس ماري الكرملي فيما يورد فيه، نقداً لغوياً طويلا، كان الأستاذ أسعد داغر نقده إياه،

ــــــــــ
(1) شرح الشافية لابن الحاجب: 2: 343 وما بعدها.