/صفحة 207 /
معارضات القرآن
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ علي العماري
المدرس بالأزهر
ـــ
اتفقت كلمة العلماء ـ في القديم ـ على أن أحداً لم يستطع أن يعارض القرآن؛ وعلى أن التاريخ لم ينقل كلاما يمكن أن تنطبق عليه صفة المعارضة.
وقد أجمعت كلمة أصحاب الرأي في هذا الشأن من أهل الفصاحة والبلاغة على أن المعارضة بين الكلامين لا تعد إلا إذا كان بينهما مقاربة ومداناة بحيث يلتبس أحدهما بالآخر أو يكون مقاربا له: " وسبيل من عارض صاحبه في خطبة أو شعر أن ينشئ له كلاما جديداً، ويحدث له معنى بديعاً، فيجاريه في لفظه، ويباريه في معناه. . . وليس بأن يتحيف من أطراف كلام خصمه فينسف منه ثم يبدل كلمة مكان كلمة فيصل بعضه ببعض وصل ترقيع وتلفيق (1) ".
ولم نر فيما وصل الينا من أخبار العرب في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا في العهود القريبة التي جاءت بعده أن فصيحاً من الفصحاء الذين يعتد بهم ألف قولا تكون سبيله سبيل المعارضة، وما قالوه عن ابن المقفع من أنه عارض القرآن بكتابه (الدرة اليتيمة) فهو عندنا ـ كما يقول الرافعي ـ ليس هناك، لا قصداً ولا مقاربة. . . وفي اليتيمة عبارات وأساليب مسروقة من كلام الإمام علي، ويرى الباقلاني أن ابن المقفع إنّما نسخ هذا الكتاب من كتاب بزرجمهر في الحكمة.
ولم يصلنا كذلك أن أحداً من هؤلاء حاول معارضة القرآن استجابة للتحدي إلا ما روى ابن رشيق في العمدة من أن فصحاء قريش عكفوا على لباب البر وسلاف الخمر ولحوم الضأن، والخلوة إلى أن بلغوا مجهودهم، فلما سمعوا قول الله

ــــــــــ
(1) بيان إعجاز القرآن للخطابي ص 53. ط. المعارف.