ـ(109)ـ
قال ابن الصلاح: (وكتاباهما كتاب البخاري، ومسلم أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز)(1).، وقال:
(وأما ما لم يكن في لفظه جزم وحكم، مثل: روي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كذا وكذا، أو روي عن فلان كذا، أو: عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كذا وكذا، فهذا وما أشبهه من الألفاظ ليس في شيء منه حكم منه بصحة ذلك عمن ذكره عنه؛ لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضاً، ومع ذلك فإيراده لـه في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله، إشعاراً يؤنس به ويركن إليه، والله أعلم)(2).
وحكم الأخباريون من أتباع المدرسة الثانية بصحة جميع الأحاديث الواردة في الكتب الأربعة، حتّى شجبوا تنويع الحديث، "وعدوه من البدع التي يحرم العمل بها، وبسطوا البحث في إبطاله..." (3).
وقد جمد كلا الطرفين على ما ورد في هذه الكتب، فتسبب ذلك في قبولها جميعاً، وتحملوا أعباء التأويل بسبب التعارض بين الأخبار، واضطروا إلى تبني آراء يستبعد صدورها عن المعصوم ـ عليه السلام ـ (النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أو الإمام ـ عليه السلام ـ )، لمخالفتها القرآن الكريم، وابتعادها عن روح الشريعة السمحاء.
ولكن أتباع المدرسة الثانية ـ من غير الأخباريين ـ تعاملوا مع الكتب الحديثية تعاملاً جديداً. وعمدوا إلى دراسة الروايات الواردة دراسة مفصلة، متناً وسنداً، فلم يقبلوا منها إلاّ ما ثبت ـ بالدليل ـ صدوره عن المعصوم، وكان صريحاً أو ظاهراً في دلالته واعتبروا مؤلفي هذه الكتب مجتهدين، قد يصيبوا وقد يخطأوا، فليس ما يفضي إليه اجتهادهم حجة عليهم.
كما أن ما اعتمدوه من قرائن لتصحيح الأخبار، قد لا تصلح للقرينية على ذلك لو أطلعنا عليها الآن.
__________________________________
1 ـ علوم الحديث: 19.
2 ـ علوم الحديث: 25.
3 ـ قواعد الحديث: 17.