ـ(112)ـ
وهي البداوة، وهي لغة كذلك: مرحلة من مراحل التطور الفعلي والإنساني والاجتماعي ورقيها.
وقد تعدد معناها في الاصطلاح: فهي بمعناها العام: ثمرة التفاعل بين الإنسان والكون والحياة، أي: ثمرة الجهود المبذولة من قبل الفكر الإنساني للاستفادة من الأجهزة الكونية المتناثرة حولنا (1). أو هي الجانب الآخر غير المادي في حياة الأمة، وهي العلم والتصورات والأفكار والسلوك والآداب، وكل المعاني التي تدخل في الجانب المادي.
وقد عرفها بعضهم بأنها: نمط من الحياة المستقرة ينشئ القرى والأمصار، ويضفي على حياة أصحابه فنوناً منتظمة من العيش، والعمل، والاجتماع، والعلم، والصناعة، وإدارة شؤون الحكم، وترتيب وسائل الراحة وأسباب الرفاهية (2). وهذا تعريف للحضارة وآثارها العامة، وليس تعريفاً دقيقاً يحدد معناها.
ومن العلماء من عرفها بأنها: كلّ ما ينشئه الإنسان في كلّ ما يتصل بمختلف جوانب نشاطه ومعانيه، عقلاً وخلقاً، الفكري والمادي. أو باصطلاح آخر: الروحي والمادي.
وبعض الباحثين يرى: أن الحضارة الحقة هي التي تطلب من الإنسان في مظاهر الحياة كافة أن يتذكر الله، ويتذكر فطرته هو بحيث يستطيع أداء دور خليفة الله، وهو الدور الذي وجد فيه على هذه الأرض(3).
والمودودي يرى: أن الحضارة: مجموعة المبادئ والأفكار والأصول والتربية التي تثمر لوناً من ألوان الحياة الاجتماعية بمقوماتها المختلفة.
وربما كان معناها العام أيضاً: طريقة الإنسان في الحياة، أو مجموعة أفكاره عنها، وأعني بالحياة: الأعمال اليومية التي يمارسها الإنسان في معيشته، ففكرته عنها ونظرته إليها يكيف سلوكه فيها ويحدد طريقة تصرفه في أعماله.
يظهر من هذه التعريفات: أن معنى الحضارة قائم عند المفكرين، لكنهم يختلفون في
__________________________________
1 ـ الدكتور محمّد سعيد رمضان البوطي في "منهج الحضارة الإسلامية في القرآن": 19.
2 ـ عبد الرحمان بن خلدون في المقدمة: 22، وهو تعريف عام مستخلص من شرحه للحضارة.
3 ـ الدكتور محمّد حسين في "الإسلام والحضارة العربية" 4.