ـ(113)ـ
سعة معناه أو في ضيقه. وبعبارة أخرى: هو غامض عند البعض غير محدد، فمنهم من جعله يشمل الأفكار والعقائد وما ينتج عنها من نتائج مادية.
فالدكتور يوسف القرضاوي ـ مثلاً ـ يرى: أن الحضارة لها جسم وروح، وجسمها يتمثل في منجزاتها المادية: كالمخترعات والمصانع والطائرات والأسلحة والأبنية وغيرها، وروحها يتمثل في مجموعة العقائد والمفاهيم والقيم والآداب والتقاليد التي تتجسد في سلوك الأفراد والجماعات(1).
وهو بهذا يتقارب في المفهوم مع "غوستاف لوبون" الذي يرى: أن الحضارة تشمل العقائد كما تشمل المنجزات العلمية والمادية، ولهذا نجده يعقد باباً ذا فصولٍ ثلاثةٍ يتحدث فيها عن مصادر قوة العرب من رسالة محمّد ـ صلى الله عليه وآله ـ، وفلسفة القرآن وأحكامه، وفتوح العرب وطبيعة هذه الفتوح ثم بعد ذلك يتحدث عن الدين والأخلاق، ويتناول حضارة العرب في شمولها للمعارف واللغة والفلسفة والآداب والتاريخ وعلوم الرياضيات والفلك والجغرافيا والطبيعيات والطب والفنون وغيرها(2).
ويكاد يتفق معنا المستشرق الإنجليزي "أرنولد" الذي يرى: أن مفهوم الحضارة بمعناها المتخصص مقتصر على وجهة نظر الإنسان عن الحياة. وهذا هو الذي ينسجم مع تعريف الحضارة الإسلاميّة التي يمكن ملاحظتها بأنها: (مجموع الأفكار والمفاهيم الإسلاميّة عن الإنسان والحياة والكون)، وهي بهذا تحدد سلوك الإنسان وطريقته في الحياة، ونمط معيشته وتعامله مع الكائنات المحيطة به. ولا تشمل بهذا التحديد ما نتج عنها من أشكال مادية، فهي ثمرة الحضارة إذا كانت غير متعارضة معها فتصوير الأشياء الجامدة وتجسيدها منسجم مع نظرة الإسلام في إباحة رسمها وتصويرها، أما تجسيد الأشياء الحية كالإنسان في تماثيل وأصنام فلا يجيزه الإسلام؛ لأن حضارته قائمة على تحريم التصوير بهذا المعنى.
وهذا يجرنا إلى أن نبين أن الأشكال المادية هي المدنية، وهي تنتج عن الحضارة أو
__________________________________
1 ـ الدكتور سيد حسين نصر في بحث "تأملات حول الإنسان ومستقبل الحضارة": 30.
2 ـ كتاب حضارة العرب لغوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر، طبع دار إحياء الكتب العربية سنة (1954م).