ـ(14)ـ
ولتوضيح هذا الأمر نقول: إنّ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ورغم كونه نبياً وقد ختمت جميع النبوات به وليس بعده نبي ـ وهذا أمر مسلم به، ومن الضروريات لدى المسلمين ـ فإن لـه مقامين:
المقام الأول: مقام الولاية على المسلمين، والتي يعبر عنها الآن بالحكومة، حيث إنّ من المسلم به إنّ الرسول الأكرم كان لـه هذا المقام بالإضافة إلى مسؤولية التبليغ بالرسالة عن الله سبحانه وتعالى، وكان أمره ونهيه نافذاً، وطاعته واجبة، وقد قرن القرآن الكريم طاعة الرسول بطاعة الله. وأن المحققين المسلمين ـ بما في ذلك العلامة الطباطبائي في تفسيره الميزان ـ يؤكدون على إنّ المراد من طاعة الرسول التي جاءت في كثير من الآيات هو: الولاية لـه في جميع الأمور. ويعتقد الشيعة الإمامية إنّ مقام الولاية والقيادة قد انتقل منه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى الإمام علي ـ عليه السلام ـ، وهناك نصوص متواترة تؤكد ذلك في مضمونها، ومنها: حديث الغدير، ونصوص كثيرة أخرى. وأن هذه الولاية والقيادة تختص من بعده بذريته، وهم: الأئمة المعصومون ـ عليهم السلام ـ ولهذا فقد فسروا عبارة "أولي الأمر" في آية [أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم] (1) بأئمة أهل البيت المعصومين.
ومن وجهة نظر الشيعة الإمامية: فإن الأئمة المعصومين هم أولوا الأمر، ولربما شملت الآية من نصبوهم (على وجه الخصوص أو العموم) أيضاً، سواء في حياتهم أو بعد الغيبة كما يقول الإمام الثاني عشر ـ عليه السلام ـ "فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله...الحديث" (2).
إنّ منصب الحكومة في الإسلام هو منصب إلهي لشخص النبي، والوصي من بعده، ويستلزم تبعية الناس لأولي الأمر، وتكون التبعية والطاعة نافذة عند البيعة، أي: إنّ البيعة التي يأخذها الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ومن بعده الأئمة ـ عليه السلام ـ ما هي إلاّ التزام وإقرار ظاهري بما جاء به الرسول، ولا تعني إنّ البيعة شرعية ولاية الرسول عليهم، بل الشرعية تتم
__________________________________
1 ـ النساء: 59.
2 ـ البحار 53: 181، عن كتاب الاحتجاج للطبرسي.