الشيخ محمد علي علوبة باشا

الشيخ محمد علي علوبة باشا

 

الشيخ محمد علي علوبة باشا
رئيس جماعة التقريب

 


 

بسم الله الرحمن الرحيم

له في مجال التقريب....
قامت جماعة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة تلبية لنداء قوي القي في روع المؤمنين ذوي الغيرة على الدين والحرص على هذه الأُمة الإسلاميّة، ولو أن رجال العلم والرأي لم يلبوا هذا النداء ولم يسارعوا إلى تكوين هذه الجماعة لكانوا مقصرين في حق أمتهم، مسؤولين عن هذا التقصير أمام ربهم في يوم عسير يؤخذ فيه بالنواصي.
لقد جاء محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ بهذا الدين رسولا إلى الناس جميعا، وكان من ابرز مبادئه التسوية بين جميع الشعوب وعدم الاعتراف بالفروق التي ألف الناس أن يعترفوا بها ويتعاملوا على أساسها، وكانت بعثته ـ صلى الله عليه وآله ـ في وقت بلغت فيه العصبيات أوجها، فكانت كل أمة تعتز بنفسها وتعتمد بما عندها، وتعتبر جنسها هو خير الأجناس، وكان العرب أنفسهم منقسمين قبائل وأفخاذا وبطونا، وكل قبيلة تعتقد إنها خير القبائل، وتحتفظ بأنسابها، ولا تختلط بغيرها حتّى كان منهم قبائل لا تصهر إلى غيرها ولا يصهر غيرها إليها وسموا أنفسهم (بالحجرات) تشبيها بالنار التي تتقى ولا يجرؤ أحد على مسها.
فلما جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ هدم ذلك كله ونادى فيهم بقول ربه ﴿يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم﴾ ثم كان تصرفه ـ صلى الله عليه وآله ـ في سياسية المؤمنين مبنيا على هذا المبدأ السامي، مبدأ إهدار العصبيات، وهدم عوامل التفرق والتقاطع حتّى ألّف الله به بين جميع القلوب وبنى من هذه اللبنات المفككة صرحا متماسكا استندت إليه دعوة الحق، واحتمى به الإسلام وهو ناشيء غض، حتّى جاء نصر الله والفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجا.
وقد امتن الله بذلك على رسوله وعلى المؤمنين فقال: ﴿هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو انفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم انّه عزيز حكيم﴾ وقال: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلاّ وانتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فالّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون﴾.
فلما اختار الله رسوله إلى جواره سار أصحابه (عليهم رضوان الله ) في طريقه غير أن الزمان عاجلهم ببعض المشكلات فاختلفوا عليها وكان خلافهم في دائرة الحق والمصلحة كما يعتقد كل منهم، ثم انقضت الحقبة الأولى من عُمر الدولة الإسلاميّة بعد أن تركت في جسم الأُمة الإسلاميّة جروحا عميقة كان من سوء الحظ أنها لم تجد أساة معالجين بل وجدت من لا يزال ينكؤها ويحييها ويحتفظ بها خضراء كما يعبر أدباء الغرب، وفعلت السياسة فعلها وعادت العصبيات إلى سباق عهدها، فتعددت الأحزاب والفرق والطوائف وكثرت الخلافات والمسائل الجدلية، وترامى المسلمون بالتهم، وساءت بينهم الظنون، ومشى كل فريق في طريق فضلّت بهم السبل عن الطريق السوي، وذاق بعضهم بأس بعض، وتمكن منهم أعداؤهم فدسّوا لهم في السياسة ودسّوا لهم في التاريخ ودسّوا لهم في العلم والرواية، ودسوا لهم في النظريات الفلسفية والقضايا الغربية، وفتحوا لهم آفاق الشك والريب فيما لديهم وشغلوهم بالجدل والخصام حتّى أنهكوا قواهم، وأوهنوا عقولهم، وحطموا أعصابهم وافقدوهم الثقة بأنفسهم والتعويل على مواهبم.
ثم اقتطعوا أوطانهم قطعة بعد قطعة واقتسموها فيما بينهم غنائم باردة في صورة الاستعمار أحيانا والحماية أحيانا والوصاية أحيانا ومناطق النفوذ أحيانا وفتح الأسواق أحيانا وهكذا من كل ما برر به الغاصبون غصبهم وجعلوه ستارا على مطامعهم وشهواتهم. تلك حال المسلمين اليوم، وان داءهم لقديم منذ تدابروا وتقاطعوا وصاروا شيعا كل حزب بما لديهم فرحين، ولا صلاح لهم ولاشفاء من دائهم إلاّ بأن يعودوا كما بداهم أمة واحدة لا فرق بين شعوبهم ولا تناحر بين طوائفهم، ولا جهالة تصوّر الشيعي للسنّي أو السنّي للشيعي عدوا يظن به الظنون ويخافه على دينه وعقيدته ويتحفظ فيما يقرأ له من كتاب، أو ينقل عنه من رأي.
إن أصول الإسلام واحدة فكل المسلمين يؤمنون بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وكلهم يعتقدون أنّ القرآن حق وأنّ رسالة محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ حق وأنّ عليهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله ورسوله، وقبلتهم واحدة وصلواتهم واحدة ولاخلاف بينهم فيما بُني عليه الإسلام من أسس، فما بالهم يعيرون ما وراء هذه الأصول اهتماما ويخوضون فيه خوضا ويعولون عليه تعويلا حتّى يلتحق بالأصول وما هو منها في شيء ويتخذ مقياس للكفر والإيمان أو الإثم والبراءة وهو عن ذلك بمنأى ومعزل.
إنّ المسلمين في ضعف لأنهم في تفرّق، وهم في تفرق لأنهم متقاطعون بجهل بعضهم ما عند بعض ومن جهل شيئا عاداه، ولو أنّهم تقاربوا لتفاهموا وقد يزول بتفاهمهم كثير من أسباب خلافهم إذ يحتفظ كل منهم برأيه فيما وراء العقيدة الإسلاميّة على أن يعذر بعضهم بعضا ويحترم بعضهم بعضا كما كان سلفهم الصالح من أئمة الدين والفقه يفعلون، وتلك هي مهمة (جماعة التقريب) أن تريد تعريف المسلمين بعضهم إلى بعض وجمعهم على أسس الدين الحق التي نزل بها القرآن وجاء بها الرسول، ودعوتهم إلى طرح أسباب الخلاف فيما لا طائل تحته ولا فائدة تلتمس منه، وتمكينهم من درس ما يعن لهم في جوّ هاديء، لا يشوبه غبار التكفير والتاثيم والتظنن فإذا فعلوا وانهم إن شاء الله لفاعلون فقد استقاموا على الطريقة وهيئوا أنفسهم لمستقبل كريم ومقام حسن في هذا المعترك العالمي بعينهم على أن يكونوا دعاة بر واصلاح.
إن سياسة الدول والأمم في العالم اليوم قائمة على التكتل والتحالف والانضواء في مجموعها متعاونة يسند بعضها بعضا، ويدفع بعضها عن بعض وانهم ليلتمسون أوهن الأسباب والروابط ليرتبطوا، أما المسلمون فدينهم واحد وكتابهم واحد وهدفهم في الحياة وبعد الممات واحد كل شيء بينهم يدعو إلى الله ويساعد على الوحدة، فمن الخير لهم دينيا كما بينا وسياسيا كما علمتنا أحوال العالم أن يتفقوا ويتكتلوا وينسوا خلافاتهم ويذكروا فقط انهم مسلمون وان المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا وان الله أمرهم في كتابه العزيز بأن يعتصموا بحبله وان يتعاونوا على البر والتقوى ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان، وإلا يكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، تلك هي رسالة التقريب وهي لعمري رسالة الإسلام ولقد بدت تباشير النجاح فيما تلقت به الأُمة الإسلاميّة في ربوع العالم نبأ تأليف هذه الجماعة من ترحيب حماس إننا لنتوجه إلى الله بقلوب مخلصة أن يهيء للمسلمين من أمرهم رشدا وان يجمعهم على الخير والبر والهدى (1).
__________________________
1 ـ رسالة الإسلام 1: 5 ـ و 2: 246 ـ و 5: 248 ـ 361 ـ و6: 25 ـ 29 ـ و 8: 222.
لم نعثر على ترجمته في الوقت الحاضر