الحوار سبيلنا نحو حياة خالية من الطائفية و التطرف

الحوار سبيلنا نحو حياة خالية من الطائفية و التطرف

 

الحوار سبيلنا نحو حياة خالية من الطائفية و التطرف

حوار من أجل بناء وحدة إسلامية مثالية

 

الدكتور الشيخ / أحمد حسين أحمد محمد

 

 ·    لايخفى على أحد أن القرن الجديد يواجه منعطفا خطيرا  يتجلى فى بروز التطرفات والحركات التى تمارس العنف الشديد من أجل كينونات جديدة على أنقاض النظام العالمي القائم الذى سعت هذه الحركات الى الاطاحة به عبر الاعتداء عليه بآلات العنف الكبرى فى العالم وعبر الأعمال العسكرية المنظمة بالتعاون مع دول تتشارك معها في مصالح استغلالية و استعمارية كبرى ورغم أننا لسنا بصدد الحديث حول أسباب ظهور هذه الحركات وتحليل خارطتها الأيديولوجية إلا إنها كلها تتفق على ابراز أعمالها فى ثوب قائم يتكون من أيقونات دينية ورموز دينية تبرر لها ما تقوم به من عدوان على كل ما هو إنساني بل أكثر من ذلك فانها تجعل الدين والعقيدة مبدأ حركتها وأساس تفاعلها مع الآخر سواء كان الدول أو المؤسسات أو الأفراد أو الجماعات المختلفة .

·    ولقد أبرزت هذه الجماعات والحركات أبشع نماذج التدين واستغلت مبادئ الدين لقتل وتشريد الآلاف من الناس بل لقد استخدمت الخطاب الدينى ليكون هو وجه الشرعية الحصرية والذى من خلاله يتم تبرير التعدي على الآخرين وتهديدهم في حياتهم اليومية وصولأً الى تدمير النمط المعاصر للحياة الإنسانية وتحويل الاستقرار الى دمار ومعاناة وخراب بسبب هذا القتل بإسم الدين وقد تأثرت كثيراً العلاقات الإنسانية بين بني البشر  وقطعت الكثير من جسور المودة والمحبة التى بناها دعاء الخير والاصلاح مما أدى الى أهمية التركيز على الدين وعلى حوار الاديان ، أما الدين فانه ما زال بحاجة الى فهم أصيل تتحقق فيه الصفة العالمية فلا إقصاء لأهل دين أو مذهب كما تحقق فيه صفة المنهجية العلمية الدقيقة  التي لا يحدها أي شيء إذ أن المجتمعات الانسانية تتخبط فى أمواج من المعلومات الزائفة والمضللة  والتي تم صنعها من أجل تكريس حالة شديدة من الكراهية بين البشر أجمعين دون استثناء

 

ولذلك فلقد بات لزاماً على المجتمعات الواعية والنخب العلمية الفاعلة أن لا تنضوي تحت ضغوطات آلات الاعلام المعاصر الضخمة بل ينبغي لها أن تقاوم سرعة ورود الأفكار والمفاهيم  وتراكمها العشوائي والعمل على تفكيك هذه الأفكار أو وضع آلية دقيقة لنقدها وتحليلها وهذا لن يتحقق ابداً ما دامت الأجواء مليئة بالكراهية والانغلاق المتبادل بين قادة كل دين أو مذهب دين وأتباعه الأمر الذى يجعل من الواجب تهيئة أجواء من المودة المتبادلة لكى يجتمع هؤلاء جميعاً على طاولة حوار ولا يعنى حوار الاديان بالضرورة أن تتم مناقشة كبرى القضايا الدينية اللاهوانية والعقائدية والكلامية والفلسفية المختلف عليها والانتهاء الي نموذج ديني واحد فهذا غير وارد وليس مطلوباً البتة بل المطلوب إنجاز مساحة واسعة من المشتركات التي من خلالها يسود الوئام والانسجام والتعاون المتبادل ويكون عنوان هذه الحالة التوافق الذي ترسخه محكمات الأديان التي ترسخ قيم تحترم الإخاء الإنساني وتحترم التعددية والتنوع الإنساني والحق في الاختلاف العلمي وحرية الرأي والتعبير ومثل هذا الحوار هو الذي يخلق حواراً أكبر وأعظم خاص بقادة الأديان في كل ديانة ومذهب ويقوم هذا الحوار بمعالجة القضايا الكبرى التي تتعلق بها حياة الانسان في عالمنا الراهن والتي تساعد علي خلق عالم محب خالٍ من النزاعات والعداءات وهو مطلب مقبول ومرغوب فيه من الجميع .

·                                                  أننا نؤكد على أنه بمجرد أن يبدأ الحوار بين الناس فإنه لا يقف عند حدٍ ما بل يتطور ليصبح وسيلة خلاًّقة وينتج عنه ائتلاف إنساني .

·                                                  من هنا فان الحديث عن حوار المذاهب الاسلامية المتنوعة  كما دعا إليه مؤتمرنا هذا الذي يقام على أرض طالما كانت حاضنة للتعددية الأيجابية والتنوع الديني هو حديث عن الحوار الذي بات واجباً وضرورة والتزاماً لا يصح تركه بأي حال من الأحوال .

 ·                                                  إن حوار الوحدة و التضامن و الانسجام الإسلامي موضوع قد تم التطرق إليه في كثير من المنتديات العلمية إلا أنه يتخذ في كل مرة شكلاً من أشكال اللقاء النخبوي الاجتماعي بين قادة للأديان سواء كانوا قادة حقيقيون أم قادة مزيفون ولذلك فإن مثل هذه المؤتمرات والملتقيات لم تحرك ساكناً ولم تحقق أي إنجاز أو تقدم حقيقي نحو مجتمع إنساني عالمي واحد يسوده السلام

·                                                  أحاول تسليط الضوء على هذا الموضوع لأتطرق  به بعيداً عن النخبوية كما هي الأديان في حقيقتها فإنها تعيش في قلوب معتنقيها ولابد أن نخاطب بعقولنا العلمية قلوب الناس وعقولهم ونزيدها وعياً وعلماً وتنوراً لعلها تفهم الدين على حقيقته وترقى به ليبلغ الدين هدفه السامي يخلق الحياة الطيبة والإنسان العادل الصالح في هذه الدنيا ولذلك فلقد حاولت من خلال هذا البحث الحديث علميا عن الدين ومحوريته في حوار الإنسان مع أخيه الإنسان حواراً حقيقياً يساهم في تغيير الواقع و يخلصنا من مستنقع الإخفاقات وصراعات المصالح إلى قضاء قيم التواصل والتعاون الإسلامي بل العالمي الانساني .

 

 

الحوار الإسلامي الأصيل سبيل الرقي و الازدهار

·    تتحدد طبيعة كل نشاط حوارى على وفقاً للغرض منه ووفقاً للغرض المرجو منه ووفقاً المتحاورين ومستواهم العلمى وعندما نتحدث عن حوار الأديان فاننا نتحدث عن حوار عالمى على نحو عالٍ من الحساسية وهذا الأمر يجعله حواراً إستراتيجياً يهدف إلى ترسيخ الفهم الحقيقي الجريء لموضوعه المتداول وهذا يجعلنا نعنى كثيراً بتنقيح مادة الحوار تبعاً لطبيعته وترتيب آلياته ووسائله ولاسيما كونه قد خرج من مرحلة اللا اقتضاء ليصبح في هذه المرحلة من تاريخ العالم  اقتضاءً حتمياً وضرورة من الحياة حيث أنه يساهم في خلق المناخ التواصلي الذي يعبر عن لرؤية تواصلية تنموية حقيقية لكل المجتمعات الانسانية .

-    لايصح ان ننظر إلى الحوار بناء على الإشكالية آو اللحظة الراهنة بل لابد من تاصيل حوار الأديان كقيمة أساسية تقوم الحياه عليها فأن الحوار هوأولاً وقبل كل شئ وسيلة لتبادل المعرفة وتفتيح الفكر المعرفي ليصبح  أكثر دقة وجدوى.

·    أن دعوة الاديان في الحقيقة لا يمكن إلا أن تكون دعوة حوار فالدين هو كتاب كبير لحوار النفس والذات وحوار الإنسان مع أخيه الإنسان وحوار الإنسان مع ربه والتجربة الدينية هي صورة من صور التجربة العلمية الذاتية التى تبدأ من الذات من خفايا وخبايا وزاويا النفس التى تنطلق لتبحث عن المقدس الذى يعطى للحياة غاية حقيقة وسمواً صادقاً ومعرفة مستنيرة ورحلة البحث هذه لا يمكن أن تكون إلا بالحوار إذ أن الحوار هو تداول للعلم فالعلم يطرح الفكرة ثم يناقشها ويتداولها ويبحثها من

·    كافة الجوانب وكذلك الدين فإنه يقدم الأفكار لكى يحفز الانسان على أن يبحث ويجتهد لمعرفة مبدأه وسيره في الحياة وهذه المعرفة هي اليقين أو العلم القائم على الرهان وليس العلم الزائف الموهوم الذى يبنى على الأوهام إذ يجب أن تؤكد على أن الدين الحق لم يأت من أجل صورة الإنسان بل من أجل هداية الإنسان وسعادته .

الحوار الصحيح هو الحوار الذي يبنى على المعرفة ويؤسس لمعرفة أكثر دقة وعمقاً وليس الحوار  جدل ومغالطة تهدف تزييف القناعات وتعقيم الإرادات ولاريب ان الجدل يقتل الروح الانسانية التواقة الى المعرفة باستخدام اساليب معرفة ويقطع على طالب المعرفة طريقه نحو الكمال الانساني الذى ننشده جميعاً .

·    ان الجدل وسيلة لتبرير الأوهام وتسويق المغالطات والتلاعب بالعقول والمشاعر وهي وسيلة لخلق الفتن واثارة البغضاء فى المجتمعات الانسانية ولذلك يجب أن يدقق أي باحث ليميز الجدل من البحث النقدي القائم على الحوار والبحث .

 

·    لقد قدم القرآن الكريم ملامح رئيسية واضحة للحوار ونَبَذَ الجدل ولقد صور ذلك فى أكثر من اية عندما تحدث عن الكافرين الذين إستخدموا الجدل من أجل انكار الحق فقد حدثنا عن تنازع المشركين فى مكة عندما إستمعوا الى الآيات القرأنية التى تتحدث عن عيسي عليه السلام فكانت ردة فعلهم الصد أولاً عن فهم الطرف الآخر ثم تساءلوا عن المفاضلة بينه وبين ما يعبدون وهم بذلك ينطلقون من تسليم بفكرة الوهية المسيح وقد أرادوا من ذلك رفض دعوة نبينا الكريم الى عبادة الله سبحانه الواحد الأحد ، لقد كان جدلهم من أجل تبرير شركهم بالترويج لنموذج آخر غير صحيح وهم لا يؤمنون به في قرارة أنفسهم بل أخذوه سبيلاً إلى دعواهم الباطلة  .

 ولذا فقد بيَّن القرآن الكريم ذلك فهؤلاء لم يسلكوا طريق الحوار فلم يريدوا على مناقشة الفكر من خلال ما يفسره صاحبها بل قاموا بترويج مفارقة ومغالطة حول الفكرة.

 ·    اننا نريد أن يحصل الانسان على القناعة الذاتية المرتكزة على البرهان اليقيني فى إطار الحوار العميق النقدي الموضوعي سواء كان ذلك فى قضايا العقيدة او قضايا المسئولية الانسانية فى الدنيا والاخرة .

·    من أهم المرتكزات في نظرية الحوار عامة والحوار الديني خاصة والتي تهدف إلى خلق مناخ انساني إيجابي منتج للمعرفة هو ما يتعلق بشخصية المحاور الذى يديرعملية الحوار وشخصية الطرف الآخر ( المستقبل ) ومنها ما يتعلق بأجواء الحوار ومنها ما يتعلق بموضوع الحوار وأسلوبه الأمثل ولقد أسهمت المصادر في ذكر تفاصيل هذه المواصفات إلا أن الأساس هو إيمان الإنسان بأن وفى البدء والختام فان الحوار رحلة معنوية وتجربة ذاتية تبدأ من الشك المنهجي وهو لكنه ذاك الشك الذى يسري نحو الكمال بالحصول على اليقين وراحة النفس .

·    الحوار ليس فكري نخبوي أو مجاملة بل إنه في الحقيقة معالجة حقيقية لما يحتاج اليه المجتمع والعالم من أفكار ومفاهيم لمعرفة الجيد والرديء واختيار الأفضل للأمم والمجتمعات .

·    إنه من المهم أن نؤكد ونحن نعيش في عالم امتلأ بالمفاهيم الثنائية أو بالنظر في المفاهيم من منظور ثنائي متضاد أنه لا يصح أن يُبنى الحوار العلمي والفكري النقدي على مثل هذه المنهجيات حيث أنها تقوم على إدانات وأفكار مسبقة لأطراف دون أطراف وهي بذلك تكرس النزاع والجدل والمراد ولا تصلح حواراً إنسانياً أبداً ونحن في الواقع نؤمن بالحوار أساساً لإنهاء الصراعات والنزاعات والتطرفات كيفما كانت وأ]نما كانت .

·    اننا في الواقع نهدف إلى أن نخلق توازناً عن طريق الحوار وأن نؤسس لتواصل حضاري وسلام أهلي وعالمي بين البشر عن طريق الحوار.

·    إن الحوار الذي نرتضيه هو الحوار القائم على إحترام التعددية والذي يقبل الآخر ولا يرفضه إنه الحوار الذي ينطلق من التسليم بحق الآخر في أن ينتقي فكرة بحرية تامة ولو أدى ذلك إلى أن يختلف مع الجميع لكنه أيضاً الحوار الذي يصاحبة التناعم مع الآخر ولو أدى الإعتراف للآخر بذات الحقوق والواجبات لكل الأطراف على حد سواء .

 

·    إذاً فالحوار هو مشعل التسامح وسراج المعرفة المتفتحة على الآخر مهما كان هذا الآخر وهي سلبية التفاهم والتعايش السلمي كما أن الحوار وسيلة علمية لنقد الأفكار وغربلتها والبدء من المختلفات لننتهي إلى ضبط المتفق عليه وإقرارة وضبط المختلف عليه وإحترامه .

·    إن حياتنا اليومية في هذا العالم المعاصر قي أصبحت أكثر زحاماً من الماضي ونواجه فيها مسيولاً مترفقة جداً غير مسبوق من المعلومات والمفاهيم والأفكار والمواقف والأحداث والوقائع الأمر الذي يجعلنا مضطرون لرفع مستوى ثقافتنا لنواجه هذا الطوفان الهائل .

 لقد علق في أذهان كثير من الناس أن الحوار الديني لا يمكن أن يكون إلا حواراً بين الباطل والحق ولذلك فلابد من حشد الناس اليه باعتباره وسيلة من وسائل اعلاء كلة الحق الذي لا يأتي إلا بالصدام والخلاف والنزاع والصراع والتنافس وأن نتيجة مثل هذا الحوار لا تكون إلا الإفحام والإبحام والغلبة وأمثال هذه الأوصاف التي تعج بها كتب علم الكلام والمناظرات العقائدية ولذلك فإننا نحتاج إلى توضيح الصورة الحقيقية للشكل الصحيح للحوار الذي نرتضيه والذي يرتجى منه احداث ذاك التأثير الإيجابي الذي نطمح إليه والذي يبني الجسور بين الناس مهما إختلفت معتقداتهم الإيمانية وهو بلا شك ليس حوار الصدام والتنازع الشخصي القائم على العنف اللفظي والنزاع والتهجم وإعدام الآخر فكرياً وتضليله وإخراجه من حيز الحرية في الاعتقاد والانتماء الثقافي الديني / كما اننا لا نريد الحوار التناظري إذ إنه وإن جاء في صورة النقاش العلمي الهادئ ويهدف إلى التأهيل العلمي والفكري للآراء وفقاً لضوابط وقواعد عقلانية إلا إنه لا يهتم بإقناع الآخر بل غايته التي يهتم بها هي التأثير في المستمع أو سائر أطراف الحوار ولذلك فإن الوسيلة وإن كانت تقوم على قواعد إلا إنها قواعد للجدال فقط تقوم على منهجية الغلبة والإنتصار ولا تسعى إلى غيره .

أما الحوار البحثي فإنه يسعى إلى إقامة الأدلة العلمية والفكرية الدقيقة على ما يدعيه من مطالب وأمور لذلك فإنه ينتهج الأسلوب الأرشد معرفياً ولنا أن نسأل أنفسنا ما هو هدفنا في ما نبتغيه من حوار الأديان لا سيما ونحن نشهد في عالمنا المعاصر أن الإلتزام الديني هو جزء لصيق بهوية الإنسان الإجتماعية والسياسية وهذا واضح جداً في مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي تقوم في بنيتها المعقدة على خلط كبير بين الديني والسياسي والأيديولوجي والإجتماعي بل المالي أحياناً مما جعل المفاهيم وخاصيتها أكثر ضبابية من غيرها ولقد تسبب ذلك في الإقصاء الذي تبرره دينياً بعض الإتجاهات الإسلامية المعاصرة كما تسبب في تحويل أي حوار نقدي أوعيني أو علمي إلى خصام ونزاع الهدف منه التصادم وإثارة النزاعات وهذا أمر واضح جداً في منهجية بعض وسائل الإعلام العربية والإسلامية عندما يتم تداول أي موضوع سياسي أو ديني والأمثلة على ذلك كثيرة لا مجال لذكرها .

 ومن هذا المنطلق فإننا نؤكد على ضرورة إن يكون الحوار حواراً هادئاً علمياً قائماً على المنهجية المعرفية الإستدلالية وتستهدف توسيع مساحة المشترك الإنساني الديني بين جميع الإتجاهات وترسيخه من أجل التعايش الحقيقي القائم على إحترام الإنسان وحماية خصوصيته وسائر حقوقه وواجباته .

نحن بحاجة أن يكون الحوار ليس حوار أديان بالمعنى الدقيق بقدر ما هو حوار لأتباع الأديان حواراً قائماً على :
أولاً : التقدير للآخر وتقويم الوقائع بشكل منصف ـودقيق وبعيد عن الإدانة والإتهام .

ثانياً : العقلانية والمعقولية في ما يطرح للحوار من موضوعات وتفصيلات  .

ثالثاً : إنتقاء موضوعات أولية لبدء حوار حقيقي حيث أن هناك مسائل لا تنفع الأمم والشعوب في هذا العصر ولذلك فإنه يجب أن يتم العمل على موضوع لنصنع عالماً منتجاً للإعمار والصناعة وبناء الحياة الإنسانية ومن جميع جوانبها ومنها إحلال السلام العالمي الذي يواجه اليوم تحديات كبيرة بسبب العنف المتلبس بشعارات دينية وأيدولوجية زائفة وغير حقيقية .

إن الحوار الهادف يساعد على الوضوح في فهم الآخر ويخلق مناخ إيجابي يؤسس لمساحة كبيرة من تقريب الأفكار وتوازن الأحكام ويساعد الإنسان على أن ينفتح على أخيه الإنسان كما يساعدنا أفراداً ومجتمعات على إنفتاح الموقف على الموقف والموقع على الموقع وتجتمع عندئذٍ القلوب والطاقات لخلق تسامح حقيقيوفعل إنساني متضامن .

وأود هنا أن أقتبس كلاماً هاماً جداً من العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله إذ يقول ( إن التطور الفكري في الواقع المعاصر والإنفتاح الإنساني على كل القضايا الفكرية المعقدة والروح الموضوعية التي أصبحت تعيش في داخل الذهنية الثقافية المعاصرة في الفكر والأسلوب والآفاق الجديدة التي إنفتحت عليها كل المواقع الدينية والفكرية في شمولية النظرة إلى الأمور المختلف عليها إن ذلك كله يتيح الفرصة للدخول في حوار يتمحور حول الهدف الإنساني الكبير في الوصول إلى وحدة التصور الديني في المفاهيم العامة أو لقاء الأفكار الدينية على النواة المشتركة للإنطلاق بالحوار من موقع اللقاء الذي يهيئ الأجواء  للحصول على نتائج وحدوية حاسمة وإذا كنا نعطي الأهمية الكبرى للحوار في المسألة اللاهوتية فإن الحوار في المسألة الواقعية العملية لا تقل خطورة عنها بل قد تكون هذه المسألة هي الأقرب للوصول إلى نتائج إيجايبة كبيرة لأنها تتصل بالمصالح المشتركة على صعيد الواقع مما يحتاج فيه كل منها إلى التوفُّر عليه وملاحقته للحفاظ علو وجوده الفاعل في ساحته الوطنية أو الإقليمية أو العالمية بإعتبار أن الهروب من مواجهة المشكلة لا يحلها بل يزيدها تعقيداً ) .

 

الحواروكيفية تفعيل دوره في نبذ التطرف والتعصب وإحياء التسامح

·    عندما تكون العلاقة بين الاديان واتباعها علاقة صحية إيجابية فإن الهدف الاسمى لكل دين يتحقق وهو ترسيخ حالة المحبة بين الخلق دون تمييز ولكن هذه العلاقة الطيبة لا يمكن ان تنشأ في جو ملوث بالتوتر والعصبيات و الغضب المتبادل و الدعوة إلى الكراهية والبغض ولما كان الأعم الأغلب من الحديث بإسم الدين اليوم متطرف يقوم منهجيه على إقصاء الآخر لذا فلقد كان من الضروري إعلان الدعوة إلى التسامح والبحث الجاد عن وسائل تساعد على انشاء لغة مشتركة للتواصل والتفاهم المتبادل ولا ريب أن الحوار وسيلة مهمة لتحقيق هذه الغاية .

·    ان للحوار آدابا واساليب ليس من ضمنها الانفعال والادانة المسبقة او اللاحقة كما انه للحوار غاية حقيقية  لذلك فانه ليس استهلاكا  للمجاملات والطاقات بل هو تواصل أنساني من اجل بناء انساني حقيقي ممتد بين اطراف عديدة يهدف الى خلق جو صحى ومريح من العلاقات الإنسانية الايجابيةان غاية الحوار هو النقاش وليس الغاء الاختلافات الفكرية والعلمية ، بل ان غايته إزالة الشحناء والبغضاء فان من يحاور الآ خر او ذاته فانه يطمح الى فهم ذاته والآخر في آن واحد .

·    إننا نؤكد على المنهج العقلاني يعنى ان نمنح انفسنا مساحة من الحرية للتأمل وإعادة قراءة مفاهيمنا التي نؤمن بها لنعيد بناء ذواتنا عبر بناء شبكة مفاهيمنا بشكل صحيح وهذا المنهج العقلاني من شأنه ان يسبغ التوازن والموضوعية على واقع الممارسة فردية كانت أم جماعية محلية او عالمية والحوار أهم الوسائل التي نستطيع من خلالها تحقيق هذه الغاية .

·          ان محاولة الآخر والقبول به هي المقدمة الاساسية لدراسة القيم الدينية عبر الحوار العلمي والحركة النقدية الحرة  .

تؤكد المنهجية العقلانية للحوار على اهمية وجود الدراسات الميدانية الدقيقة التى تتناول حركة

المفاهيم الدينية في دائرة التصور الشعبي وذلك بغية التعرف على وجود انحراف فى التجربة التدينية الشعبية عن قواعدها الفكرية أو عدم وجود مثل هذا الإنحراف ونحن نؤكد أن الحوار هو أحد الوسائل العلمية ذات الفائدة العلمية والعملية الكبيرة جداً فى اثراء النقد لإصلاح الفكر الديني الذي يتأثر مع الواقع المتحرك في عالمنا المعاصر وهو عالم يتسم بالتفسير السريع جداً .

·    حوار الاديان قضية اساسية للحفاظ على نقاء الاديان وصونها من المفاهيم والتأويلات المغلوطة التى تلحق بها فى كل المجالات سواء المجال الثقافي أو المجال الاجتماعي أو المجال السياسي أو المجال التشريعي والحوار حينما يساعد على الإبتعاد عن الذاتية في المضمون الفكري فإنه يفتح لنا نافذة واسعة على فكر وثقافة لآخر وهذه النافذة تساعد على فهم آدائنا قبل الآخر لأن الحوار في حقيقته هو بحث ونقد وحوار بعض الآراء المختلفة فالدراسة والإطلاع تتناول كل الآراء المطوحة في موضوع الحوار لذلك فإن هناك نسبة صواب ونسبة خطأ في كل رأي ومادمنا في بحث وحوار حتى نصل إلى فقاعة موضوعية وليست الفعالية .

·    ان المسألة الحوارية هى ركن أساس من أركان الاصلاح الفكري ونبذ التطرف والتعصب فانه ينتج مساحات حرة من الأفكار التي تخلق حالة متطورة من التعددية والتنوع بين أفراد المجتمع ويتم إستخدام هذه المساحات من أجل إثراء جوانب الحياة الحرة وليس من أجل ادخال المجتمع في جدليات تعطل الحياة وتثير الاحقاد بين الناس  .

·    ان البدء بالحوار الناجح ينطلق من ترسيخ نقطة ارتكاز مقبولة لدى كل الأطراف ولا ريب ان افضل نقطة ارتكاز هى ان الأنسان مرهون بفعل الخير ونشر المحبة بين الخلق كلهم وبين الخلق والكون بأسره ولذلك فانه لا يستقيم ان ينطلق من يدعى الوسطية والاعتدال فى حوارة مع الآخر وهو يحمل في روحه وذهنه ادانة للآخر أو سوء ظن به اننا نبحث عن الحقيقة ونبتغى اليقين وسفينتنا هي المحبة المتبادلة فان المعرفة فرع عن الحب والشوق إلى الكمال .

·    لقد كان لحوار الاديان دور كبير في التقريب الروحي بين أتباع الديانات وقادتها والتاريخ يذكر نماذجاً كثيرة على ذلك ونستعرض لبعضها لما لها من أهمية اذ أنها تجارب عملية مهمة خلقت جواً من السلام الدينى بين أتباع مختلف الديانات لكن الاعلام المعاصر يتجاهلها بشكل كبير مما ادى الى التشاؤم العام لدى الشعوب والى رسوخ نظرية قائمة لأى خطوط حوارية انسانية .

أسباب الكراهية الدينية : 

·    أن الكراهية الدينية وليدة التفكير التقليدي حول النص الديني ولكن هل هذا يكشف إن النص الديني ذو صلة ذاتية بالعنف للإجابة على مثل هذا السؤال الحساس نقول أنه ما من شك إن العامل الرئيسي للكراهية الدينية والعنف القائم علي أساس دعوى الالتزام الديني يعود إلى منهجية البعض التي تبين حرفية النص الديني والحقيقة إن اغلب أو كل المتطرفين الدينين يأنسون إلي النص ويتمسكون به دليلاً علي أحقيتهم في دعاويهم الدينية وسنداً لممارستهم العنيفة علي الآخرين إفرادا ومجتمعات والإشكالية هنا تكبر عندما ينتقل الأمر من مجرد استفهام نص مقدس إلي الاحتماء بهذا النص إلي اتخاذه سلاحاً لإقصاء الأخر وإعدامه فكريا ووجودياً .

·    ولو أردنا ان نحلل هذا الخلل عند هؤلاء وهذا الفهم السلبي والاستغلال للنص لرأيناه يقوم علي محورين أساسين هما في الحقيقة مصدر ما تضمنته قراءة النص الديني من عنف وكراهية أما الأول فهو تجريد النص عن الواقع وقطع صلته به والثاني هو جعل القيم الأخلاقية غير ذات قيمة في ذاتها وانها حسنة ولازمة مادام النص يدعوا إلي ذلك فهي تابعة للنص وهذا تفكيك غير محمود يمارسه في مجالات عديدة إذ يتم قطع العلاقة والصلة بين النص والواقع وبين النص والقيم الذاتية الأخلاقية ومن هنا فان الحاجة تكون ماسة إلي بناء علمي متماسك يقوم علي أساس بناء التشريع الفقهي طبقا لعلاقته بالتنزيل الديني دون الاعتماد على النص المجرد وهذا ليس بدعاً من الرسل فلقد تعامل القران مع قضايا الأحكام المتنوعة وفقا لاعتبارات حركة الواقع وتغيراته خلافاً لما هو معروف في أوساط الفقهاء اليوم الذين جعلوا الأحكام الدينية ماهيات جامدة لا تتأثر بالواقع الموضوعي واعتباراته المختلفة ورفضوا كل محاولة لربطه بواقع التنزيل بل اعتبروا ان من يقوم بذلك فانه مخالفاً لضرورات الدين رغم ان الصحيح هو العكس ومن هنا أصبح التفكير الديني متلوناً بألوان الانغلاق والتشدد والمحدودية  هذا عن ركنية ( الواقع ) التي غيبها البعض وغلبوا التمسك الحرفي بالنص عليها أما بالنسبة لما يتعلق بالقيم الأخلاقية التي جعلوها تابعة وغير مستقلة بذاتها عن النص الديني رغم أن القران الكريم قد اعتبرها الغاية المقصودة من إرسال الرسل والرسالات إلا إن البعض أنكر قيمتها الذاتية مع أنها ليست تابعة للنص الديني بل إن عدداً كبيراً ممن يعترف بالحسن والقبح العقليين ويجعل من العقل مصدراً أخيرا للتشريع الفقهي تجده لا يعطي أهمية لتحسين العقل وتقبيحه للأفعال عندما تتعارض مع نص روائي وهذا قد أنتج هذه الإشكالية التي علي أساسها لم  تعد القيم الأخلاقية تلتزم لذاتها بل يتم مخالفتها وتبرير ذلك بلامبالاة واضحة عند البعض ، وبالتالي فلقد أصبح الالتزام الأخلاقي غير ملزم بل أصبح تابعاً لتبريرات المتطرفين والمتنطعين وأصبحت القيم الأخلاقية سهلة الانتهاك ولسيت مورداً للاحترام .

·    ان ما تقدم قضية أساسية ومحورية لابد أن تكون من أول القضايا التي يقوم عليها الحوار والموضوعات التي لابد أن تحسم من قبل القادة الدينيين ليتمخض عنها قاعدة مشتركة تجمع الناس على فهم سليم للدين والالتزام الديني ولا ريب إن لهذه القاعدة أهميتها المحورية في تعديل مسار منهج التفكير الديني .

·    إن المنهجية المنغلقة المتطرفة عندما تفصل الدين عن الواقع وعن الأخلاق فانها تقسم البشر إلي ماهيات عقائدية مغلقة ( مسلمون/ كفار ) والمسلمون إلي فرقة ناجية واحدة وفرق ضالة كثيرة ثم تحرم كل من يخالفها من التمتع بالحريات والحقوق اللائقة والتعامل الأخلاقي الحسن ولذلك تجد أن هناك من يتقرب إلي الله بشتم الناس وإهانتهم وحرمانهم من حقوقهم والاستهزاء بمشاعرهم وما إلى ذلك  مما يشهد به الواقع المعاصر ، كل هذا مع أن القرآن الكريم قد نص على أن أخلاق التقوى ومحبة الله  يجب أن تكون هي أسس التعامل مع الآخرين ولا تكون حصراً على المسلمين كما جاء في قوله تعالى ( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات 13 ، وقوله تعالى ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون بلى من أوفى بعهده واتقى فان الله يحب المتقين ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )      آل عمران 75 – 77  .

بل لم يرد في القرآن الكريم أي ذكر لفرقة ناجية دون غيرها بل أنه يأمر الناس بعدم التنازع والتنابذ والتصارع  كما أن حديث الفرقة الناجية لا يصح من وجوه عديدة وقد ناقشها العلماء في مجاله .

اننا نحتاج اليوم إلى خطاب ديني عالمي يتمسك باستقلالية القيم دون أن يربطها بلوازم من هنا وهناك كما أن تعامل هذا الخطاب مع القضايا الموضوعية لابد أن يتسم بالفهم الدقيق المنفتح ثقافياً والممارسة الفعَّالة المرنة تبعاً لتغيرات الواقع وتطوراته دون أن يحولها إلى ماهيات جامدة مغلقة.

  اننا نحتاج إلى حوار أديان يؤسس لاحترام الواقع والقيم الذاتية جنباً غلى جنب مع احترام النص المقدس الصحيح ولابد أن نقيم الفكر الديني على هاتين الركيزتين الأصليتين ولا نقيمه على الفهم الإنساني المستبد .

وتوضيحاً لمفردة الواقع التي نتحدث عنها فاننا نقصد بها الواقع الموضوعي والتجربة المباشرة التي تختبر من خلالها قيمة النظريات والمعتقدات ، هذا الواقع يجب أن يضاف إلى النص كأحد دعائم التفكير الديني التي تسعى لفهم النص الديني اذ أنه من الواضح بشهادة العديد من الدراسات الدينية العلمية العميقة فان الدين ليس نصاً مجرداً بل هو حصيلة التفاعل بين النص الديني المقدس كالقرآن الكريم على وجه بخصوص وبين الواقع وحوار الأديان الذي نسعى نحو تأصيله وتنفيذه على أرضنا الخضراء هو أحد أوجه هذا التفاعل  الذي من خلاله ننتج خطاباً دينياً عالمياً قائم على أسس أخلاقية عامة .

 

 

الخاتمة

- إن مجتمعنا المجتمع الإنساني يعيش في أزمات وأوضاع سيئة وإذا أردنا أن نصلح أمورنا ونخلق واقعاً جديداً فإننا سنجد أنفسنا أمام تحديات لن نتجاوزها إلا عبر التفكير العلمي والحوار البنَّاء .

اننا عندما ندعوا إلى حوار الأديان فإننا نقصد به حواراً منظماً بين أناس قد لا يعيشون تحت سقف مجتمع بشري واحد بل مجتمعات متعددة ولكن هذا الحوار يجب أن يكون هادفاً في موضوعاته فلا يصح أن نهدر أوقاتنا وطاقاتنا في مناقشة قضايا ما ورائية لا تنفع المجتمع بل قد تنتهي به إلى جدل عقيم يضر بالروح الإنسانية الفردية والجمعية بل ينبغي أن يكون هناك إهتمام بالموضوع الجاد الذي يساعد على تطوير المجتمع وتغيره نحو الأفضل .

إننا نؤكد على أنه من الموضوعات التي تشكل هامشاً في واقعنا المعاصر وتحدياً سافراً التحديات التي نواجهها حالة اليأس الممزوجة باللامبالاة المنتشرة في المجتمع الإنساني وسوء الأوضاع الاجتماعية وظروف المعيشة الصعبة والبعد الفكري والتاريخي بين الشرق والغرب والتوحش البشري المتبادل ، والفجوة بين الحقيقة التي نعيشها والخيال الذي صنعناه لأنفسنا والذي أدى إلى حالة هروب مستمر من الواقع وانغلاق على الداخل .

 

ونستطيع أن نقدم نماذج لما ذكرناه فيما يلي :

الموضوع الأول : الانفكاك عن قضايا الواقع والهروب منها :

إن الهروب حالة طبيعية يمر بها الفرد كوسيلة للدفاع عن النفس والتي تجعل الفرد يخلق عالماً موازياً للعالم الواقعي وهو عالم بلا قواعد بل هو عالم يكون المرء فيه هو المسيطر وذو السلطة فيه  حيث يستطيع تحقيق ما فشل في تحقيقه في الواقع وللأسف فإن المجتمع الإسلامي بشكل عام يعيش في حالة هروب مستمر ومنذ أمد بعيد جداً مما جعله عالم ضئيل من حيث الاسهام الحضاري والانساني .

لقد أصبح هذا الهروب لدى الأعم والأغلب هو الملجأ وهو في الحقيقة ليس سوى عقدة نقص تعطل الوعي الإنساني طوال الوقت وتفسده  بالتصورات الذهنية القاتمة وحالة الهروب لم تقتصر على بعد نفسي فقط وإنما كذلك على بعد عقلي وعصف ذهني من خلال العيش في عالم من الخيال المفرط في سوداويته وبؤسه وكراهيته .

وللأسف فإننا أصبحنا لا نملك أوقاتنا بل ولا عقولنا ولذلك فلابد نتخلص من حالة الإستنزاف الفكري تلك ، والحل يكمن في المعرفة الروحانية الدينية والدراية العلمية وهما كفيلتان أن تُخرج أجيالاً ذات طاقات نفسية حقيقية لا مجرد نسخ بشرية أو آلات ، أجيال على دراية تامة تملك الارادة الحرة لتكون سوية ومتزنة بالقدر الكافي لخلق تغيير وهنا يأتي دور الفهم الحقيقي للدين المتسق مع ذاتية القيم الأخلاقية والتي تستمد منظومتها من قيم التجربة الدينية والانسانية الملتزمة وهي بلا شك قيم التراحم والتواصل القائمة على أساس ديني متسامح متراحم يستوعب الإختلاف ويحوله إلى طاقة إنسانية بناءة ولاريب أن للحوار الديني دوره الأساسي في هذا الجانب وخلق وعي لدى الفرد والمجتمع بأهمية هذه الحالة .

 

الموضوع الثاني : اختطاف الهوية :

ان الهوية ركيزة أساسية لدى البشر وهم يهتمون بحمايتها وصوتها من أي دخيل اذ يرون فيها وجودهم الا أن الهوية في واقعها ما هي الا تقزيم لدور الانسان في الحياة وفهم خاطئ لغاية خلق الانسان ولذلك فقد أصبحت الهوية تعبير عن خصوصيته انسانية منفصلة على ذاتها وتعبير عن احتواء وإقصاء بإسم الفكر والمعتقد والحق يقال فان هناك اختطاف دائم في عالمنا الإسلامي وأسبابه ووسائله كثيرة لكن الأخطر بينهما هو اختطاف الهوية الدينية الخاصة بالإنسان نتيجة الاقصاء الديني فإن هناك من يحاول أن يطمس التعددية والتنوع الفكري والديني عبر اقصاء الأخر وتهميشه وعدم الاعتراف بوجوده .

وهذه الحالة من التعصب الأعمى والمتعجرف خلقت حالة من عدم احترام الهوية الخاصة بالإنسان سواء كانت هوية فرد أو هوية مجموعة والهوية في الواقع هي تعبير عن إختيار وحرية لممارسة التعبير عن الذات التي اختارتها وطمس الهوية هو في حد ذاته عنف لن يقابل إلا بعنف ولو بعد حين من الزمن .

بعد أن شهد العالم الإسلامي أحداث  ما يسمى بالربيع العربي وبعد خروج حركات العنف كداعش وأمثالها تبين لنا بوضوح الأثر السيء لسنوات من السكوت على التطرف الديني ولقد أدى هذا التفريط إلى إنقلاب الهوية رأساً على عقب كما أدى إلى أمور خطيرة تهدد المجتمعات في حرياتها ووجودها ، ان مجتمعاتنا تعيش مفارقات منها ما يلي :

المشهد الأول : مع بدايات القرن الماضي انتشرت في العالم العربي حملة التغريب ، رأى البعض أن خلاص الوطن العربي يمكن في التشبه بأوروبا / الغرب ونسخ الحضارة الغربية ولصقها في مجتمعاتنا .

مشكلة هذه المقاربة أنها ركزت على منتجات الحضارة الغربية لا على الحضارة نفسها فقد افتتنت بالمال والحريات والطفرة المادية أكثر من احتفائها بــ " التجربة " في مجال العلوم والمعارف الغربية وتطورها .

  ولقد اكتفى هؤلاء بتقليد المنتج بدلاً من الاهتمام بالمنهج وغاب عنهم وجود عدد كبير من الاختلافات بين الواقع الغربي والواقع العربي هو الذي خلق الواقع المفارق بين كليهما ، ان عدم دراسة ومحاولة فهم التراكم المعرفي وعدم دراسة التطور التاريخي لكلا المواقعين هو سبب فشل  محاولات النهضة لدينا وهذه الحالة موجودة ومستمرة إلى يومنا هذا بل تزداد كل يوم مع الأسف الشديد .

المشهد الثاني : وعلى النقيض مما تقدم فان هناك اتجاه ، وما يزال ، يتجه لعيش الحياة وفقاً لماضوية وسلفية بليدة من حيث الطريقة والمنهج التفكيري ومازلنا نسمع من يردد كلمة تقول أنه لن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليه أولها دون أن يدقق في فهم ما تعنيه مثل هذه العبارات الشعارية العاطفية  .

المشكلة عنا تكمن في الدعوة إلى تقليد المنتج غير المقدس ( القول والفعل والفتاوى ) وتلتزم منهجية التقليد حتى وصل الأمر بهؤلاء إلى تقديس أقوال القدماء من العلماء وتكرار أقوالهم وكأنها نصوص مقدسة بل ساهموا في تحويل حضارتنا الاسلامية الى نسخ لأقوال بعض من الشخصيات ونسخ للأقوال والكتب والفتاوى وتقليد الناس لها دون حث الناس على الوعي والتحقيق في مبادئ المعرفة ان أمثال هؤلاء يهتمون باسباغ القديسين على الشخصيات التاريخية وجعلها في مرتبة فوق الزمان والمكان متناسين أن كل عظماء التاريخ بما فيهم الشخصيات المرتبطة بالتاريخ الديني جميعهم ينتمون لثقافة زمانهم ومكانهم ويتأثرون بها .

هذه الطريقة الخوارقية في التعاطي مع شخوص التاريخ وأحداثه تجعل أبصارنا تنقلب نحو الماضي ونحاول أن تعالج لمشاكل الحاضر بالماضي متغافلين بوعي أو بدون وعي عن الكم الهائل للمتغيرات التي طرأت علينا سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو سياسية ، بعبارة أخرى ، هذه طرق لن تكون مجدية لعدم واقعيتها وتفشل أي عملية اصلاح فكري أو اجتماعي أو ديني أو علمي ولا تحقق التطور ولا تلقي بالاً للأسس الفكرية التي قد تغير الواقع الانساني المعاصر وتتجاهل التغير والازدهار يوماً بعد يوم بل لحظة بعد لحظة .

إن اختزال أي تجربة بمنتجاتها المادية أو المعنوية ، دون النظر في تاريخها وصيرورتها ، ودون البحث في طريقتها في التفكير والتصرف ، هو اختزال مدبر وقاتل  .

وحتى نكون موضوعيين ، فاننا مطالبون بالبدء من الشك الذي يدعوا الى التدقيق في المنهجيات ومن ثم الحركة بوعي نحو تطوير الحياة وتنوير العقول والحياة  أن البداية تكون من رفض فكرة التقليد الأعمى والاعتراف بفشلها .

الموضوع الثالث : هوس التصنيف وإطلاق الأحكام واحتكار الصواب :
عدم الإلتزام بالصدق المنهجي يساهم في تحول العلم من نقد إلى إدانة مسبقة وتحول الاختلاف من حق إنساني إلى هرطقة وزندقة

ان أغلب الإختلافات الدينية اليوم نابعة من عدم المعرفة بالآخر وهذا أمر غريب في زمن نشهد فيه تطوراً رهيباً متسارعاً في نقل  المعرفة ووسائلها وأصبحت الإدانة هي الأصل في التعامل مع الآخر  .

الحقيقة المريرة في عالمنا المعاصر هي : إن الانسان في هذا الزمن يتسم بتكبر غير محدود فهو الذي يكون على صواب دائماً وهو الواعي المثقف الوحيد أما غيره فليس كذلك والحقيقة أن هذا خداع كبير يبتلى به الإنسان ووهم كبير الا ان علاجه بسيط جداً وهو التأمل ولذلك فإن ( التأمل ) فعل عظيم ينير للذات الانسانية درب المعرفة الحقة .

والحق يقال بان الأمل هو أول درجة من درجات الحوار اذ ان الحوار يبدأ مع الذات ثم ينتقل الى الخارج وللك فالحوار  كذلك ذو أثر عظيم في اثراء المعرفة ولاريب  أن حوار الأديان في مراحله كلها هو اثراء معرفي وتأمل روحاني في الدين وهو ما يحتاجه الناس اليوم لأن أكثر من يتدين لا يعرف ما هو الدين وكيف يتدين به في حقيقة الأمر بل الكثيرون لا يعرفون لماذا يتدينون بأي دين من الأساس .

 إن الممارسة الدينية وتجربة الإنسان في الالتزام الديني ورحلته الروحية والمعنوية تحتاج إلى ارتكاز قوي على الأسس العلمية والتفكر السليم القائم على البرهان والمنتج لمعرفة دقيقة ولذلك فان التمييز بين الادراك التام والواعي وبين الوهم المرتبط برغباتنا اللاواعية مسألة في غاية الاهمية .

 

الانسان ليس شريراً بطبعه ولم يخلقه الله سبحانه وتعالى شريراً ولم يخلقه سلبياً متشائماً لأن الله خلقه بحب والحب لا ينسجم مع الرذيلة والقطيعة والكراهية واليأس والعدم لذا فان التفاؤل ايمان والتشاؤم واليأس كفر بالنعمة التي أسبغها الله علينا اذ أخرجنا من العدم المحض إلى فضاء الوجود وسعته اللا محدودة .

ومن هنا نحاول فهم كل المقولات والمفاهيم ويجب أن نرفض كل قبيح فان الله جميل يحب الجمال وهو الجمال الذي يعني النقاء / الخير / وليس زينة الرذيلة ولذلك فان الحوار يجب أن يكون وسيلة لعالم يسوده التعايش بين كل مخلوقات الله على الحب والوئام فلا يصح لنا أن نتذمر لأننا بذلك سنقبع في زاوية مظلمة وكل ذلك قبح مستتر فالتذمر ليس باب من أبواب اليأس او الحزن أو الخوف .

·    لن أبالغ إذا قلت أن حركة الإنسان اليوم نحو تدمير ذاته أسرع من حركته نحو تطوير نفسه روحانياً ومعرفياً وعلى الأخص الإنسان الذي يقطن عالمنا العربي والإسلامي فانه يقبل ويتعاطى مع كل ما يساعد على تدمير ذاته  .

   لكن هل تتطور الحياة بلا ايمان روحاني وبلا تواصل إنساني اننا كما يقول الفيلسوف إيريك فروم       ( نحتاج ايماناً عقلانياً فى قدرة الانسان على انتشال نفسه من الظروف التي نسجها بنفسه ) .

أن تكون مؤمناً أو أن تكون متنوراً ليس أن تسخر من الآخرين أو تتعالى عليهم بلباس نخبوي زائف بل أن تكون فارساً نبيلاً في الزمن والموقف الصعب وهو أن تعيش الأمل حيث تكثر منغصات العيش .

اختتم بعبارة اعجبتني للأديب ألبير كامو إذ يقول : (ان وضع البشرية خطير جداً لدرجة لا تسمح لنا بالإصغاء إلى الغوغائيين أو أولئك الغوغائيين الذين يستهويهم الهدم والتدمير ، وكذلك القادة الذين تصلبت قلوبهم  فما استخدموا سوى عقولهم ، الفكر النقدي والراديكالي سيؤتي ثماره فقط حين يندمج مع أعظم خاصية قد ينعم بها الانسان "حب الحياة" ) .

لذلك يجب ان نعترف بشجاعة بأخطائنا ثم ننهض بنشاط وشجاعة لنصنع حياة حقيقية عبر ترسيخ الحوار الإنساني الذي ينبغي أن يكون أساساً لصنع الحياة وخلق الإرادة ولاريب أن حوار الأديان بالمعنى الذي حاولنا أن نكشف عنه في طيات ما قدمناه من أفكار ورؤى سيؤدي إلى خلق مساحة مشتركة بين بني الإنسان لتساعد على إيجاد مناخ متكامل من المحبة والتعاون والتضامن والتواصل والثقة البناءة وكل ذلك يؤدي إلى سلام عالمي ورخاء دائم وهذا ما نرجوه فان الدين عنصر أساسي في حياة الانسان لكنه كغيره قد يكون معول بناء وقد يكون معول هدم والخيار بيد الانسان ( انا هديناه النجدين اما شاكراً واما كفوراً ) ، ( وقل اعملوا ) فالعمل هو اختيارنا وهو ما سوف نحاسب عليه في آخرتنا لكننا قد نشهد آثاره في دنيانا قبل عالم الأخرة بكثير وأرجوا أن لا نشقى في الدنيا  .