366 - ـ فصل : عليكم بالكتاب و السنة ترشدوا .
رأيت إبليس قد إحتال بفنون الحيل على الخلق و أمال أكثرهم عن العلم الذي هو مصباح السالك فتركهم يتخبطون في ظلمات الجهل و شغلهم بأمور الحس و لا يلتفتون إلى مشورة العقل .
فإذا ضاق بأحدهم عيشه أو نكب إعترض فكفر .
فمنهم من ينسب ذلك إلى الدهر و منهم من يسب الدنيا .
و هذا إسفاف لأن الدهر و الدنيا لا يفعلان و إنما هو عيب للمقدر .
و منهم من يخرجه الأمر إلى جحد الحكمة فيقول : أي فائدة في نقض المبني ؟ .
و زعم بعضهم أنه لا يتصور عود المنقوض و أنكروا البعث و يقولون : ما جاء من ثم أحد .
و نسوا أن الوجود ما انتهى بعد و لو خلفنا لصار الإيمان بالغيب عيانا و لا يصلح أن يستدل على الأحياء بالأحياء .
ثم نظر إبليس فرأى في المسلمين قوما فيهم فطنة فأراهم أن الوقوف على ظواهر الشريعة حالة يشاركهم فيها العوام فحسن لهم علوم الكلام و صاروا يحتجون بقول أبقراط و جالينوس و فيثاغورس .
و هؤلاء ليسوا بمتشرعين و لا تبعوا نبينا صلى الله عليه و سلم إنما قالوا بمقتضى ما سولت لهم أنفسهم .
و قد كان السلف إذا نشأ لأحدهم ولد شغلوه بحفظ القرآن و سماع الحديث فيثبت الإيمان في قلبه .
فقد توانى الناس عن هذا فصار الولد الفطن يتشاغل بعلوم الأوائل و ينبذ أحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم و يقول : أخبار آحاد .
و أصحاب الحديث عندهم يسمون حشوية .
و يعتقد هؤلاء أن العلم الدقيق علم الطفرة و الهيولى و الجزء الذي لا يتجزأ .
ثم يتصاعدون إلى الكلام في صفات الخالق فيدفعون ما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بواقعاتهم .
فيقول المعتزلة : [ إن الله لا يرى لأن المرئي يكون في جهة ] و يخالفون قول رسول الله صلى الله عليه و سلم [ أنكم ترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته ] فأوجب هذا الحديث إيثار رؤيته و إن عجزنا عن فهم كيفيتها .
و قد عزل هؤلاء الأغبياء عن التشاغل بالقرآن و قالوا مخلوق فزالت حرمته من القلوب .
و عن السنة و قالوا أخبار آحاد و إنما مذاهبهم السرقة من أبقراط و جالينوس .
و قد إستفاد من تبع الفلاسفة أنه يرفه نقسه عن تعب الصلاة و الصوم و قد كان كبار العلماء يذمون علم الكلام حتى قال الشافعي : [ حكمي فيهم أن يركبوا على البغال و يشهروا و يقال : هذا جزاء من ترك الكتاب و السنة و إشتغل بالكلام ] .
وقد آل بهم الأمر إلى أن إعتقدوا أن من لم يعرف تحرير دليل التوحيد فليس بمسلم .
فا الله الله من مخالطة المبتدعة و عليكم بالكتاب و السنة ترشدوا