62 - ـ فصل : السمع و البصر .
قرأت هذه الآية : { قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم و أبصاركم و ختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به } فلاحت لي فيها إشرة كدت أطيش منها .
و ذلك أنه إن كان عني بالآية نفس السمع و البصر فإن السمع آلة لإدراك المسموعات و البصر آلة لإدراك المبصرات فهما يعرضان ذلك على القلب فيتدبر و يعتبر .
فإذا عرضت المخلوقات على السمع و البصر أوصلا إلى القلب أخبارها من أنها تدل على الخالق و تحمل على طاعة الصانع و تحذر من بطشه عند مخالفته .
و إن عنى معنى السمع و البصر فذلك يكون بذهولها عن حقائق ما أدركا شغلا بالهوى فيعاقب الإنسان بسلب معاني تلك الآلات فيرى و كأنه ما رأى و يسمع كأنه ما سمع و القلب ذاهل عما يتأدى به لا يدري ما يراد به لا يؤثر عنده أنه يبلى و لا تنفعه موعظة تجلى و لا يدري أين هو و لا ما المراد منه و لا إلى أين يحمل و إنما يلاحظ بالطبع مصالح عاجلته و لا بتفكر في خسران آجلته لا يتعبر برفيقه و لا يتعظ بصديقه و لا يتزود لطريقة كما قال الشاعر : .
( الناس في غفلة و الموت يوقظهم ... و ما يفيقون حتى ينفذ العمر ) .
( يشيعون أهاليهم بجمعهم ... و ينظرون ما فيه قد قبروا ) .
( و يرجعون إلى أحلام غفلتهم ... كأنهم ما رأوا شيئا و لا نظروا ) .
و هذه حالة أكثر الناس فنعوذ بالله من سلب فوائد الآلات فإنها أقبح الحالات