الكلام على أن النبي كان نبيا قبل أن يخلق .
وظائف شهر ربيع الأول و يشتمل على مجالس : .
المجلس الأول في ذكر مولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم : .
خرج الإمام أحمد [ من حديث العرباض بن سارية السلمي Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إني عبد الله في أم الكتاب لخاتم النبيين و إن آدم لمنجدل في طينته و سوف أنبئكم بتأويل ذلك : دعوة أبي إبراهيم و بشارة عيسى قومه و رؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام و كذلك أمهات النبيين يرين ] و خرجه الحاكم و قال : صحيح الإسناد و قد روي معناه من حديث أبي أمامة الباهلي و من وجوه أخر مرسلة المقصود من هذا الحديث أن نبوة النبي صلى الله عليه و سلم كانت مذكورة معروفة من قبل أن يخلقه الله و يخرجه إلى دار الدنيا حيا و أن ذلك كان مكتوبا في أم الكتاب من قبل نفخ الروح في آدم عليه السلام و فسر أم الكتاب باللوح المحفوظ و بالذكر في قوله تعالى : { يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب } و عن ابن عباس Bهما : أنه سأل كعبا عن أم الكتاب ؟ فقال : علم الله ماهو خالق و ما خلقه عاملون فقال لعلمه : كن كتابا فكان كتابا و لا ريب أن علم الله عز و جل قديم أزلي لم يزل عالما بما يحدثه من مخلوقاته ثم إنه تعالى كتب ذلك في كتاب عنده قبل خلق السموات و الأرض كما قال تعالى : { ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير } و في صحيح البخاري [ عن عمران بن حصين Bهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كان الله و لا شيء قبله و كان عرشه على الماء و كتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات و الأرض ] و في صحيح مسلم [ عن عبد الله بن عمرو بن العاص Bهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله كنب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات و الأرض بخمسين ألف سنة و كان عرشه على الماء ] .
و من جملة ما كتبه في هذا الذكر و هو أم الكتاب : أن محمدا خاتم النبيين .
و من حيندئذ انتقلت المخلوقات من مرتبة العلم إلى مرتبة الكتابة و هو نوع من أنواع الوجود الخارجي و لهذا قال سعيد بن راشد سألت عطاء : هل كان النبي صلى الله عليه و سلم نبيا قبل أن يخلق ؟ قال ؟ قال : إي و الله و قبل أن تخلق الدنيا بألفي عام خرجه أبو بكر الآجري في كتاب الشريعة و عطاء ـ الظاهر أنه ـ الخرساني و هذا إشارة إلى ما ذكرنا من كتابة نبوته صلى الله عليه و سلم في أم الكتاب عند تقدير المقادير و قوله صلى الله عليه و سلم في هذا الحديث : [ إني عبد الله في أم الكتاب لخاتم النبيين و إن آدم لمنجدل في طينته ] ليس المراد به و الله أعلم أنه حينئذ كتب في أم الكتاب ختمه للنبيين و إنما المراد الإخبار عن كون ذلك مكتوبا في أم الكتاب في تلك الحال قبل نفخ الروح في آدم و هو أول ما خلق من النوع الإنساني و جاء في أحاديث أخر أنه في تلك الحال وجبت له النبوة و هذه مرتبة ثالثة و هي انتقاله من مرتبة العلم و الكتابة إلى مرتبة الوجود العيني الخارجي فإنه صلى الله عليه و سلم استخرج حينئذ من ظهر آدم و نبىء فصارت نبوته موجودة في الخارج بعد كونها كانت مكتوبة مقدرة في أم الكتاب ففي [ حديث ميسرة الفجر قال : قلت يا رسول الله متى كنت نبيا ؟ قال : و آدم بين الروح و الجسد ] خرجه الإمام أحمد و الحاكم .
قال الإمام أحمد في رواية مهنا : و بعضهم يرويه : متى كتبت نبيا ؟ من الكتابة فإن صحت هذه الرواية حملت مع حديث العرباض بن سارية على وجوب نبوته و ثبوتها و ظهورها في الخارج فإن الكتابة إنما تستعمل فيما هو واجب : إما شرعا كقوله تعالى : { كتب عليكم الصيام } أو قدرا كقوله تعالى : { كتب الله لأغلبن أنا و رسلي } و [ في حديث أبي هريرة Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنهم قالوا : يا رسول الله متى وجبت لك النبوة ؟ قال : و آدم بين الروح و الجسد ] خرجه الترمذي و حسنه و في نسخه صححه و خرجه الحاكم و روى ابن سعد من [ رواية جابر الجعفي عن الشعبي قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه و سلم : متى استنبئت ؟ قال : و آدم بين الروح و الجسد حيث أخذ مني الميثاق ] و هذه الرواية تدل على أنه صلى الله عليه و سلم حينئذ استخرج من ظهر آدم و نبىء و أخذ ميثاقه فيحتمل أن يكون ذلك دليلا على أن استخراج ذرية آدم من ظهره و أخذ الميثاق منهم كان قبل نفخ الروح في آدم و قد روي هذا عن سلمان الفارسي و غيره من السلف و يستدل له أيضا بظاهر قوله تعالى : { و لقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } على ما فسره به مجاهد و غيره : أن المراد : إخراج ذرية آدم من ظهره قبل أمر الملائكة بالسجود له و لكن أكثر السلف على أن استخراج ذرية آدم منه كان بعد نفخ الروح فيه و على هذا يدل أكثر الأحاديث فتحمل على هذا أن يكون محمد صلى الله عليه و سلم خص باستخراجه من ظهر آدم قبل نفخ الروح فيه فإن محمدا صلى الله عليه و سلم هو المقصود من خلق النوع الإنساني و هو عينه و خلاصته و واسطة عقده فلا يبعد أن يكون أخرج من ظهر آدم عند خلقه قبل نفخ الروح فيه