ذكر فضل النبي صلى الله عليه و سلم من لدن آدم عليه السلام .
و قد روي : أن آدم عليه الصلاة و السلام رأى اسم محمد صلى الله عليه و سلم مكتوبا على العرش و أن الله عز و جل قال لآدم : [ لولا محمد ما خلقتك ] و قد خرجه الحاكم في صحيحه فيكون حينئذ من حين صور آدم طينا استخرج منه محمد صلى الله عليه و سلم و نبىء و أخذ منه الميثاق ثم أعيد إلى ظهر آدم حتى خرج في وقت خروجه الذي قدر الله خروجه فيه و يشهد لذلك ما روي [ عن قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كنت أول النبيين في الخلق و آخرهم في البعث ] و في رواية : [ أول الناس في الخلق ] خرجه ابن سعد و غيره و خرجه الطبراني من رواية قتادة عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا و المرسل أشبه و في رواية عن قتادة مرسلة : ثم تلا : { و إذ أخذنا من النبيين ميثاقهم و منك و من نوح و إبراهيم و موسى و عيسى ابن مريم } فبدأ به قبل نوح الذي هو أول الرسل فمحمد صلى الله عليه و سلم أول الرسل خلقا و آخرهم بعثا فإنه استخرج من ظهر آدم لما صور و نبىء حينئذ و أخذ ميثاقه ثم أعيد إلى ظهره و لا يقال : فقد خلق آدم قبله لأن آدم حينئذ كان مواتا لا روح فيه و محمد صلى الله عليه و سلم كان حيا حين استخراج و نبىء و أخذ ميثاقه فهو أول النبيين خلقا و آخرهم بعثا فهو خاتم النبيين باعتبار أن زمانه تأخر عنهم فهو : المقفى و العاقب الذي جاء عقب الأنبياء و يقفوهم قال تعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم و لكن رسول الله و خاتم النبيين } و في الصحيحين [ عن جابر Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : مثلي و مثل الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها و أحسنها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها و يعجبون منها و يقولون لولا موضع اللبنة ] زاد مسلم قال : [ فجئت فختمت الأنبياء ] و فيهما أيضا [ عن أبي هريرة Bه عن النبي صلى الله عليه و سلم معناه و فيه : فجعل الناس يطوفون به و يقولون : هلا وضعت اللبنة ؟ فأنا اللبنة و أنا خاتم النبيين ] .
و قد استدل الإمام أحمد بحديث العرباض بن سارية هذا على أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يزل على التوحيد منذ نشأ و رد بذلك على من زعم غير ذلك بل قد يستدل بهذا الحديث على أنه صلى الله عليه و سلم ولد نبيا فإن نبوته وجبت له من حين أخذ الميثاق منه حين استخرج من صلب آدم فكان نبيا من حينئذ لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك و ذلك لا يمنع كونه نبيا قبل خروجه كمن يولى ولاية و يؤمر بالتصرف فيها في زمن مستقبل فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته و إن كان تصرفه يتأخر إلى حين مجيء الوقت قال حنبل : قلت لأبي عبد الله يعني أحمد : من زعم أن النبي كان على دين قومه قبل أن يبعث ؟ قال : هذا قول سوء ينبغي لصاحب هذه المقالة أن يحذر كلامه و لا يجالس قلت له : إن جارنا الناقد أبا العباس يقول هذه المقالة ؟ قال : قاتله الله و أي شيء أبقى إذا زعم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان على دين قومه و هم يعبدون الأصنام قال الله تعالى حاكيا عن عيسى عليه السلام : { و مبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } قلت له : و زعم أن خديجة كانت على ذلك حين تزوجها النبي صلى الله عليه و سلم في الجاهلية قال : أما خديجة فلا أقول شيئا قد كانت أول من آمن به من النساء ثم قال : ماذا يحدث الناس من الكلام ! ! هؤلاء أصحاب الكلام لم يفلح ـ سبحان الله ـ لهذا القول و احتج في ذلك بكلام لم أحفظه