ومن عجائب الاتفاق أن هذا الحديث رواه الترمذي عن قتيبة ثم رواه عن عبد الصمد بن سليمان عن زكرياء اللؤلؤي عن أبي بكر الأعين عن علي بن المديني عن أحمد بن حنبل عن قتيبة .
ولد قتيبة سنة تسع وأربعين ومائة وتوفي سنة أربعين ومائتين ومن شعره : .
لولا القضاء الذي لا بد مدركه ... والرزق يأكله الإنسان بالقدر .
ما كان مثلي في بغلان مسكنه ... ولا يمر بها إلا على سفر .
أمير خراسان .
قتيبة بن مسلم بن عمرو بن الحصين الباهلي أمير خراسان : كان من الشجاعة والحزم والرأي بمكان وهو الذي فتح بخارا وخوارزم والري وسمرقند وفرغانة والترك .
سمع من عمران بن حصين وأبي سعيد الخدري . لما مات الوليد نزع الطاعة فلم يوافقه أكثر الناس وكان قد عزل وكيع بن حسان بن قيس الغداني عن رياسة تميم فحقد عليه ثم وثب عليه في أحد عشر من أهله فقتلوه في بيته في ذي الحجة سنة ست وتسعين للهجرة .
وكان قتيبة قد تولى هخراسان بعد يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وكان أبوه مسلم كبير القدر عند يزيد بن ماوية .
وقال أهل التاريخ : إن قتيبة بلغ في غزو الترك والتوغل في بلاد ما رواء النهر وافتتاح القلاع واستباحة البلاد وأخذ الأموال وقتل الفتاك ما لم يبلغه المهلب بن أبي صفرة .
ولما فتح خوارزم وسمرقند في عام واحد دعا نهار بن توسعة شاعر المهلب وبنيه وقال له : أين قولك في المهلب : .
ألا ذهب الغزو المقرب للغنى ... ومات الندى والجود بعد المهلب .
أغزو هذا ؟ فلما سمع ذلك نهار قال : لا بل هذا حشر وأنا الذي أقول : .
ولا كان مذ كنا وكلا كان قبلنا ... ولا هو فيما بعدنا كابن مسلم .
أعم لأهل الترك قتلاً بسيفه ... وأكثر فيئاً مقسماً بعد مقسم .
ولما بلغ الحجاج ما فعل قتيبة من الفتوحات والسبي قال : بعثت قتيبة فتى بحراً فما زدته باعاً إلا زادني ذراعاً .
وفي قتل قتيبة يقول جرير : .
ندمتم على قتل الأغر ابن مسلمٍ ... وأنتم إذا لاقيتم الله أندم .
لقد كنتم من غزوه في غنيمةٍ ... وأنتم لمن لاقيتم اليوم مغنم .
على أنه أفضى إلى حور ربه ... وتطبق بالبلوى عليكم جهنم .
وكانت العرب تستنكف من الانتساب إلى باهلة حتى قال الشاعر : .
وما ينفع الأصل من هاشمٍ ... إذا كانت النفس من باهلة .
وقال الآخر : .
ولو قيل للكلب يا باهلي ... عوى الكلب من لؤم هذا النسب .
وقيل لأبي عبيدة : يقال إن الأصمعي دعي في النسب إلى باهلة فقال : هذا ما يمكن فقيل : ولم ؟ قال : لأن الناس إذا كانوا من باهلة تبروا منها فكيف يجيء من لا هو منها فينتسب إليها ؟ ! .
ويقال : إن الأشعث بن قيس الكندي قال لرسول الله A : أتتكافأ دماؤنا ؟ فقال : نعم لو قتلت رجلاً من باهلة لقتلتك به .
وقال قتيبة المذكور لهبيرة بن مسروح : أي رجل أنت لو كان أخوالك من غير سلول فلو بادلت بهم . فقال : أصلح الله الأمير أبادل بهم من شئت من العرب وجنبني باهلة .
ويحكى أن أعرابياً لقي شخصاً في الطريق فسأله ممن أنت ؟ فقال : من باهلة فرثى له الأعرابي فقال له ذلك الشخص : وأزيدك أني لست من صميمهم ولكن من مواليهم .
فأقبل ذلك الأعرابي يقبل يديه ورجليه فقال : ولم ذلك ؟ فقال : لأن الله تعالى ما ابتلاك بهذه الرزية في الدنيا إلا ويعوضك الجنة في الآخرة . ويل لبعضهم : أيسرك أن تدخل الجنة وأنت باهلي ؟ فقال : نعم بشرط أن لا يعلم أهل الجنة أني باهلي .
ولما ولي سليمان الخلافة خافه قتيبة وتوهم أنه يعزله ويولي خراسان يزيد بن المهلب فكتب إلى سليمان يهنيه بالخلافة ويعزيه عن الوليد ويعلمه بلاءه وطاعته لعبد الملك والوليد وأنه على مثل ذلك من الطاعة إن لم يعزله عن خراسان .
وكتب إليه كتاباً آخر يعلمه بمكانه وعظم قدره عند ملوك العجم وهيبته في صدورهم ويذم المهلب وأهله ويحلف بالله لئن استعمل يزيد على خراسان ليخلعنه .
وكتب كتاباً ثالثاً فيه خلعه وبعث بالكتب الثلاثة مع رجل من باهلة وقال : ادفع إليه هذا الكتاب فإن كان يزيد بن المهلب حاضراً فقرأه ثم ألقاه إلى يزيد فادفع إليه هذا الكتاب فإن قرأه وألقاه على يزيد فادفع إليه هذا الكتاب