فقد علمت - بما قدّمناه وهضبنا فيه - قوّة تداخُل الأصول الثلاثة الاسم والفعل والحرف وتمازُجِها وتقدّم بعضها على بعض تارة وتأخّرها عنه أخرى . فلهذا ذهب أبو علي - C - إلى أن هذه اللغة وقعت طبقة واحدة كالرّقْمِ تضعه على المرقوم والميسَم يباشَر به صَفْحة الموسوم لا يُحْكَم لشيء منه بتقدّم في الزمان وإن اختلفت بما فيه من الصنعة القوّةُ والضعفُ في الأحوال . وقد كثر اشتقاق الأفعال من الأصوات الجارية مجرى الحروف نحو هاهيت وحاحيت وعاعيت وجأجأت وحأحأت وسأسأت وشأشأت . وهذا كثير في الزجْر . وقد كانت حضرتني وقتا فيه نَشْطة فكتبت تفسيرَ كثيرٍ من هذه الحروفِ في كتابٍ ثابتٍ في الزّجر فاطلبها في جملة ما أثبتُّه عن نفسي في هذا وغيرِه باب في اللغة المأخوذة قياسا .
هذا موضع كأنّ في ظاهره تَعَجْرُفا وهو مع ذلك تحت أرجِل الأحداثِ ممن تعلَّق بهذه الصناعة فضلا عن صدور الأشياخ . وهو أكثر من أن أحصيه في هذا الموضع لك لكنى أنبهِّك على كثير من ذلك لتُكْثر التعجّب ممن تعجَّب منه أو يستبعد الأخْذ به . وذلك أنك لا تجد مختصَرا من العربية إلاّ وهذا المعنى منه في عِدة مواضع ألا ترى أنهم يقولون في وصايا الجمع : إنّ ما كان من الكلام