@ 141 @ وأنا لا أفتر في تلك الحال عن مناجاة قيم العالم في سري ومبدع الكل فيما إليه تؤول عاقبة أمري فبينا أنا كذلك إذا برجل جاء من أقصى المدينة يسعى كأنه ينشد ضالة أو أضل المسعى فنزل من الرباط بساحته وقضى فيه أثواب سياحته فإذا هو من أفاضل العجم ذو قدر منيف يدعى بمحمد شريف فبعد أن ألقى فيه عصا التسيار وكان لا يألف منزلا كالقمر السيار استأذنه بعض المجاورين في القراءة عليه وابتدأ في بعض العلوم الإلهية فكنت أسابقه إليه فلما رأى ما رأى مني استخبر ممن هنالك عني فأجبته ولم يك غير الدمع سائلا ومجيبا فعند ذلك اصطنع لي دهنا مسدني به في حر الشمس ولفني بلفافة من فرقي إلى قدمي حتى كذت أفقد عن الحس وتكرر منه ذلك مرارا من غير فاضل فمشت الحرارة الغريزية في كالحميا في المفاصل فبعدها شد من وثاقي وفصدني من عضدي وساقي فقمت بقدرة لواحد الأحد بنفسي لا بمعونة أحد ودخلت المنزل على والدي فلم يتمالك سرورا وانقلب إلى أهله فرحا مسرورا فضمني إلى صدره وسألني عن حالي فحدثته بحقيقة ما جرى لي فمشى من وقته إلى الأستاذ ودخل حجرته وشكر سعيه وأجزل عطيته فقبل منه شكره واستعفاه بره وقال إنما فعلت ذلك لما رأيت فيه من الهيئة الاستعدادية لقبول ما يلقى إليه من العلوم الحقيقية فابتدأت عليه بقراءة المنطق ثم اتبعته بالرياضي فلما تم شرعت في الطبيعي فلما أكملت شر أبت نفسي لتعلم اللغة الفارسية فقال يا بني إنها سهلة لكل أحد ولكني أفيدك اللغة اليوناينة فإني لا أعلم الآن على وجه الأرض من يعرفها أحد غيري فأخذتها عنه وأنا بحمد الله الآن فيها كهو إذ ذاك ثم ما برح أن سار كالبدر يطوي المنازل لدياره وانقطعت عنى بعد ذلك سيارة أخباره ثم جرت الأقدار بما جرت وخلت الديار من أهلها وأقفرت بتنكرها علي لانتقال والدي واعتقال ما أحرزته من طريفي وتالدي فكان ذلك داعية المهاجرة لديار مصر والقاهرة فخرجت عن الوطن في رفقة كرام لؤم بعض المدن من سواحل الشام حتى إذا صرت في بعض ثغورها المحمية دعتني همة علية أو علوية أن أصعد منه جبل عامله فصعدته منصوبا على المدح وكنت عامله وأخذت عن مشايخها ما أخذت وبحثت مع فضلائها فيما بحثت ثم ساقتني العناية الإلهية إلى أني دخلت حمى دمشق المحمية فاجتمعت ببعض علمائها من مشايخ الإسلام كأبي الفتح محمد بن محمد بن