/ صفحه 150 /
الشخصية المحمدية
تحت ضوء المقررات النفسية الحديثة
لحضرة صاحب العزة الكاتب الكبير
الاستاذ محمد فريد وجدي بك
مدير مجلة الأزهر
أينما أجلت طرفك في تاريخ الجماعات البشرية، وفي الافذاذ الذين أنجبتهم في خلال تاريخها الطويل، وأجلته في حوادثها وانقلاباتها، وفي الرجالات الذين تولوا كبرها، فلا تصادف من جمع ما جمعه محمد (صلى الله عليه وسلم) من صفات الكمال الخلقي والعقلي، ولا وفق إلى مثل ما وفق إليه من بناء أمة وتحليتها بكل ما هي في حاجة إليه من عوامل البقاء، ودواعي الارتقاء، وأعدها لأن تصير أعظم أمة استحقت أن تنال خلافة الله في الارض، ربما قال قائل إن هذا المال لم يكن مقدراً لها وإنما بلغته هي اتفاقاً بسبب توسعها العلمي والجغرافي، كما بلغته أمم قبلها استعدت له بفتوحاتها ومدنيتها. يرد هذه الشبهة ما ورد في الكتاب الكريم من قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم آمنا، يعبدونني لا يشركون بي شيئاً، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون).
فهذه المهمة الخطيرة، مهمة تأليف أمة مثالية، تتكون على مقتضى الأصول الاجتماعية القومية، والمبادئ الادبية الكريمة، وتحدث في العالم ما أحدثه المسلمون من تدارك الامم من تدهور بعيد القرار، كان يدفعهم فيه قادة لا يهمهم إلا إشباع فهمهم والمتاع بشهواتهم، ورجال أديان كانوا لا يعبأون بغير ما يحفظ سلطانهم، ويستبقي الزعامة لهم، قلنا هذه المهمة الخطيرة ما كان الله ليعهد بها إلا إلى رجل منحه شخصية تدرك قيمة ما يوحى إليه من أصول العلم وأسرار الحكمة رجل يستطيع بقوة ارادته، وحسن قيادته، أن يجمع بين القلوب المتنافرة،