/ صفحه 176/
لنفسه صفة المشرع، والاجتهاد الصحيح إنما هو في استنباط الأحكام من مداركها الثانية لا في تشريعها وإنشائها.
أما الفعل الذي تعلق به الأمر فإن لم يكن للشارع فيه حقيقة شرعية، فأمر تعيينه يعود إلى نظر المكاف وتشخيصه من غير فرق بين المجتهد والمقلد.
هذا وإن للإنسان أن يحاول بيان المصلحة من العبادة الواجبة، ويقربها إلى الأفهام بما يتفق مع العقل، ولا ينتافى والشرع على أن لا يكون لاستباطه أى تأثير على الحكم الشرعى إثباتاً ولا نفيا، بل إن الشرع نفسه يحتم على من له كفاية العلامة الشيخ محمود شلتوت العلمية والبيانية أن يسلك هذه السبيل المثمرة ـ في أيامنا هذه ـ لنشر الدعوة إلى الحق والدين.
وعلى هذا الأساس يرتكز تفهمى لماجاء في الكتاب والسنة من وجوب الهدى في الحج وغيره من العبادات.
أمر الشرع بالهدي، ولم يبين أن المصلحة منه هى إراقة الدماء، أو تذكر الفداء، وليس له في معنى الهدى حقيقة شرعية، فالازام إذن أن نلحظ معنى الهدى بصرف النظر عن تعلق التكليف به، فما صدق عليه اسم الهدى قبل أن يكون مطلوباً للشرع يجب إيجاده في الخارح على ما كان عليه قبل الطلب، لأن الأمر لم يغير شيئا من معناه، وإنما جعله واجبا يحرم على المكلف تركه وإعماله.
وإذا لم يكن إراقة الدم مطلوباً بنفسه، ولا هو علة للطلب حيث لم يرد في الشرع ما يشعر بأحدهما، فكيف يقصد به امتثال أمر الله سبحانه؟
أما ماجرت عليه سيرة ححاج بيت الله الحرام من تسمية إراقة الدم المستلزم للطمر أو الاحراق بالهدي، فمسبب عن الاعتقاد بأن الشرع أراد من الهدى إراقة الدم، وأن إراقة الدم هو المأمور به، والهدى جُعل سبيلا للتعبير عنه، وهذا الاعتقاد ناشيء عن الحرص الشديد على أوامر الله التعبدية والمحافظة على امتثالها.
وتقدم منا أن المطلوب الشرعى هو الهدى، وأن إراقة الدم ليس مورداً للحكم، ولا علة له، وأنه ليس للشرع حقيقة شعرعية في الهدى، وأن المفهوم منه