/ صفحه 93/
فقلت لمن هذا الشعر؟ فقال هذا يقوله الضب للحسل أيام كانت الاشياء تتكلم(1).
و سواء أكان هذا الشعر يقوله العرب على ألسنة الحيوانات كما يقول سيبويه، أم قاله الضب أيام أن كانت الاشياء تتكلم كما يقول أبو عبيدة، فإنه ذو مغزى يأخذ بتلابيب المأفونين الذين هم فيطعغيانهم يعمهون.
ترفرف أجنحة القربي على الاصول لتضم لها الحواشي والفروع، فقد العم أبا وابنه أخا وتبتئس من ذَعَارَّة عقيل بن علَّفة في سوء مجازاته بنى العم بمثل ما يصنعون، ثم تستريح مغتبطة لسماع نداه مسكين الدارعي رحمة الله عليه في قوله:
و إن ابن عم المرء فاعلم جناحه * * * وهل ينهض البازى بغير جناح
ففي الصواب أن ما بين روحي عقيل ومسكين ما بين الحنظل والصندل، أو الحميم والسلسبيل.
قلت: قرأت مقدارا له بال من شعر العرب ومنثورها، وهو أرباب اللسن، لا تخيفهم سطوة حاكم عات، ولا تردعهم قوانين سنونة، فما يبالون وهجر القول وسلاطة اللسان شفاء لما في صدورهم الحانفة، حسب تقديرهم الشخصى.
فقد هجا الاخ وأقذع في السباب كالمغيرة بن حبناء التميمي، وتهدد ابن العم وأرعد كذى الاصبع العدوانى وطرقة بن العبد، وعنترة العبسي، وسيفه ابن الاخ وأفحش كعقيل بن علفة المرى، مما أوغر الصدور واستفزهم إلى التدابر فيما بينهم، وجلب الاحداث الجسام التي انتابت الاقارب ومزقتهم بددا، ذلك أن العداء ينشب بينهم لما يغتفر مثله من غيرهم، فهنواتهم معدودة، دقيقها جليل، وتحملها ثقيل، ويقول طرفة بعد سرد آلامه من ابن العم.
و ظلم ذوى القربي أشد مضاضة * * * على المرء من وقع الحسام المنهد
إن للعدوات بين ذوى القرابات أسباباً تخلقها، يستعصي على الباحث عنها الوقوف على كنهها حتى يعرف المحق من المبطل، وليس من الهين البين البت

ـــــــــــ
1- رغبة الامل من كتاب الكامل ج 5 باب من تكاذيب الأعراب وهو طريف مستملح.