/ صفحه 381/
إذ شبه نفسه بالنعامة، ولو أنه طوى وجه الشبه ونشر غيره، فغير ذي بال هنا أن يعدو عدواً سريعاً، وإنما ذو البال أو وجه الشبه أنه كان رقيعاً يولي الدبر ثم يفتخر.
قال: رويدك بعض غلوائك، فليس الحزم أن تقف أبداً وقفة واحدة لا تتغير، ولكنه في أن تلبس لكل حالة لبوسها. وليس في طاقة الفرد أن يغلب الجماعة، وإنما شأن الجماعة " ولو قلة " أن تغلب الجماعة " ولو كثرة ". " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " وفي سياسة الحرب القرآنية لا يؤمر الفرد أن يثبت للجماعة ولو قليلة، وإنما تؤمر الجماعة القليلة أن تثبت للجماعة الكثيرة وتنتصر عليها بإذن الله " إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين، وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفاً " فالواحد وحده لا يكلف قتال عشرة، ولكنه مع تسعة صبر يكلفه ويغلب العشرة فتكون الجملة مائة لكل واحدة عشرة.
قلت: أعرف أحوالا وقف فيها الفرد للجماعة، فهذا مالك بن أبي كعب يأخذ عليه عدوه الطريق، ومع مالك زوجه فيقولون له: استأثر فلا يفعلها ولا يفر، بل يقاتلهم حتى يقتل ويقول:
لعمر أبيها لا تقول حليلتي ألا فرعني مالك بن أبي كعب
قال: ولقد وجب أن يقاتل ويموت ولا يسلم الظعينة سبية. ولو كان تأبط شراً في مثل ظرفه لفعل فعله، ولو كان هو في مثل ظرف تأبط شرا لفر ولا عليه أفلم يأن لك أن تفقه أن الحزم هو أن تلبس لكل حالة لبوسها؟.
قلت: بل أعرف فرداً غلب الجماعة، فهذا " هو راس " واحداً يغلب " كيرياس " جماعة: كانت مبارزة ندبت لها روما أشقاء ثلاثة " الهوراسيين " وندبت لها ألب أشقاء ثلاثة كذلك " الكيرياسيين " فقتل " كيرياسيان " " هوراسيين " وقتل هوراسي كيرياسياً، فأصبح في الميدان ثلاثة واحد في مواجهة اثنين ـ هما أقل الجمع فهم جماعة ـ ففر الهوراسي، وإنما فر ليكر فقد تعقبه الكيرياسيان كل في وجه، وهكذا تفرقا فكر على أحدهما فقتله ثم ألحق به الثاني.