الأقليات الإسلامية والتحديات الثقافية

الأقليات الإسلامية والتحديات الثقافية

 

 

الأقليات الإسلامية والتحديات الثقافية

 

 د. عبدالستار ابراهيم الهيتي

أستاذ بجامعة البحرين ـ قسم الدراسات الإسلامية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقـدمــة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم وسار على هديهم إلى يوم الدين .

وبعــد:

فقد تزايد عدد الأقليات الإسلامية في العالم، وخاصة في أوربا خلال السنوات القليلة الماضية، وتميزوا في كونهم من أصول مختلفة ومتعددة ربما ترجع إلى معظم الدول الإسلامية، بالإضافة أن عددا لا بأس به من المسلمين هم من أصول أوروبية و اعتنقوا الإسلام عن رغبة صادقة، هذه الجوانب تجعل بمقدور الأقلية المسلمة هناك القيام بدور مؤثر يحقق مصالح المسلمين في العالم، ومع هذه المميزات التي تميز المسلمين في أوروبا عن غيرهم إلا أنهم يواجهون تحديات كثيرة ومشاكل متعددة، منها مشكلات الإقامة والعمل، ومنها الصعوبات الخاصة بتوفير التعليم الإسلامي لأبناء المسلمين، والحفاظ على الهوية الإسلامية في ظل هذه المجتمعات الإباحية التي تنتشر فيها الانحرافات الأخلاقية، إضافة إلى اضطهاد بعض الأقليات المسلمة على خلفية هويتهم وثقافتهم.

وقد تعرضت الأقليات المسلمة في الغرب عموما وفي الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص لهجمة شرسة غير مسبوقة منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر2001 ويتجلى ذلك بوضوح من خلال نظرة سريعة إلى التقارير الصادرة حول أوضاع هذه الأقليات والتي تقدم تصورا عاما عن المشاكل والصعوبات التي تمر بها الأقليات المسلمة في الغرب.

وعلى الرغم من أن بعض الدول الأوروبية، خطت خطوات مهمة باعترافها بالإسلام، وتم بالفعل في بعض الدول الأخرى إعطاء حقوق مدنيّة للمسلمين، فإنه لا تزال هناك عراقيل ومعوقات كثيرة ، كما أن هناك استمراراً في اعتبار بعض المظاهر الإسلامية كالحجاب مثلا

رمزا للتعصب والتحجّر الفكري، وهناك من يرفض السماح للمحجبات بالمدارس بدعوى الحفاظ على مبادئ علمانية المدرسة الأوروبية، وكرد فعل لذلك نجد أن صورة الغرب لدى المسلم··· غالباً ما تكون مقترنة بالإحباط نتيجة عدم تطابق المفهوم من الواقع .

    ومن جهة أخرى، فقد تم الاعتداء على نصوص القرآن الكريم وشخص النبي صلى الله عليه وسلم وتعاليم الإسلام في أكثر من مناسبة، وتجاه ذلك الضغط الشديد قابل المسلمون في الدول الأوربية بصور متعددة من الصمود والصبر والاحتساب، حيث رأوا في هذا الأمر اعتداء على كيانهم الشخصي وسلبا لأبسط حقوقهم في الحرية والحياة فقابلوا ذلك بمزيد من التشبث والتمسك والحفاظ على التميز النابع من دينهم وثقافتهم , مما أثمر في النهاية  حالة من عدم الاستقرار المستمر والقلق والاضطراب بين الطرفين، الأمر الذي يستلزم القيام بحملة تعليمية وتثقيفية، وحملة تعبوية لمساندة الأقليات الإسلامية والعمل معه من أجل نشر الإسلام وتقديم برامجه الثقافية والتربوية للآخر .

   ومن أبرز التحديات التي تواجهها الأقليات الإسلامية في الغرب اليوم هي التحديات الثقافية التي تتعلق بعقائد المسلمين وثوابتهم الدينية، وترتبط بالخوف من الذوبان داخل النسيج الاجتماعي لتلك البلدان، أو ما يسمى بفقدان الهوية العربية والإسلامية لهؤلاء المهاجرين، وسنحاول في هذه المقالة أن نقف على أبرز تلك التحديات الثقافية التي تواجه الأقليات الإسلامية، ونعقبها بمقترحات وصيغ للمعالجة يمكن من خلالها الوقوف بوجه تلك التحديات وتخفيف وطأتها عليهم، ولذلك فستكون هذه الورقة موزعة وفقا لما يأتي :

المحور الأول : تعريف بالأقليات الإسلامية .

المحور الثاني : صور التحديات الثقافية للأقليات الإسلامية .

المحور الثالث : مقترحات وحلول ومعالجات .

أملي أن يكون ذلك إسهاما ولو بسيطا في خدمة هذا الدين الحنيف، وعملا بالأمر النبوي في الاهتمام بشأن المسلمين في قوله صلى الله عليه وسلم (من لن يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) والتزاما بالوصية النبوية التي تدعو إلى التناصح بين أبناء الأمة فيقوله عليه الصلاة والسلام (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله، قال: لله ولرسوله ولكتابه، ولأئمة المسلمين وعامتهم)

     حسبنا أننا اجتهدنا، ومن الله التوفيق

 

المحور الأول : تعريف بالأقليات الإسلامية .

     تمثل الأقليات الإسلامية في دول العالم المختلفة نسبة لا يستهان بها من المسلمين الذين يدينون بهذا الدين، ولذلك فهم جزء من هذه الأمة تجد نفسها مضطرة للتعامل مع مجتمعات تختلف معها في المعتقد والحضارة والتفكير، وتتباين معها في السلوك والتصرفات الأمر الذي يجعلها أكثر حاجة إلى التفاعل والحوار مع الآخر الذي وجدت نفسها وسط بيئته وكيانه .

ولا بد من الإشـارة هنا إلى جملة من الحقائق صاحبت نشوء ظاهرة الأقليات الإسلامية في العصر الحديث، أبرزها :

1ـ  إن السبب الأساسي لنشوء ظاهرة الأقليات الإسلامية كان مرتبطا بالهجرة من البلاد الإسلامية إلى مختلف أقطار العالم، وبخاصة إلى أوربا وأمريكيا وكندا واستراليا، حيث وصل المهاجرون من المسلمين إلى تلك البلدان وهم يحملون ثقافتهم وحضارتهم وعاداتهم وتقاليدهم ليجدوا أنفسهم وسط مجتمعات لها دياناتها ولغاتها وثقافاتها، ولها أنماط حياة وأساليب معيشة خاصة بها تختلف عما ألفوه ونشـئوا عليه في بلدانهم الأصلية.

2ـ  إن الأفواج الأولى من المهاجرين المسلمين كان يغلب عليها الطابع الشعبي حيث كان البحث عن موارد الرزق هو الدافع الأكبر على تلك الهجرات الأولى، الأمر الذي جعل أغلب تلك الأفواج تنصهر مع المجتمعات الجديدة التي وفدوا عليها، إلا أنه مع مرور الزمن وبفعل التحولات الدولية الحديثة حصل تغير في نوعية المهاجرين من البلاد الإسلامية إلى الغرب، حيث أخذت أفواج المتعلمين والدارسين وأصحاب الكفاءات الثقافية والعلمية والمهارات المهنية المتميزة تغلب على ظاهرة المهاجرين المسلمين، مما أدى إلى ظهور أوضاع جديدة وبروز مشكلات متنوعة شعر المسلمون في المهجر بوطأتها وصاروا يتطلعون إلى إيجاد حلول لها حتى يستطيعوا التوفيق بين هويتهم وثقافتهم وبين المحيط الاجتماعي والبيئة الثقافية والمناخ العام الذي وجدوا أنفسهم يعيشون فيه .

3ـ  إن انتشار الإسلام في الدول غير الإسلامية عن طريق إقبال أهل الأديان الأخرى على اعتناقه بعد وصول أفواج المهاجرين من المسلمين إليهم كان سببا آخر من أسباب نشوء ظاهرة الأقليات الإسلامية وتزايد أعدادهم، الأمر الذي دعا مجددا إلى ضرورة صياغة برنامج جديد لمعالجة أوضاع المسلمين الجدد وتحديد علاقاتهم مع طبيعة المجتمعات التي نشئوا فيها .

 ومن خلال ما تقدم يتضح لنا أن الأقليات الإسلامية هي إحدى الفئات التالية( [1])

1ـ  مسلمون ينتسبون إلى دول غير إسلامية بالأصل والمواطنة، مثل مسلمي الهند والصين والفلبين المقيمين في أوطانهم الأصلية، وهؤلاء جزء لا يتجزأ من شعوبهم لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات مثل ما على مواطني تلك الدول .

2ـ  مسلمون يقيمون في دول غير إسلامية ويخضعون لأحكام القانون المحلي لتلك الدول أمثال المسلمين من الدول العربية والإسلامية الذين يهاجرون إلى شتى بلدان العالم .

ومهما يكن من أمر فإن هؤلاء الذين يمثلون الأقليات الإسـلامية بحاجة إلى الاهتمام بأوضاعهم العامة باعتبارهم جزءا من حركة اليقظة الشاملة التي سادت أرجاء العالم، فنتج عنها تزايد مستمر ومتواصل من المسلمين الذين يعتنقون هذا الدين ويلتزمون بأحكامه وشريعته .

3 ـ  هناك أقليات مذهبية تعيش في مجتمعات ليست مغايرة لها في عقيدتها، ولكنها أقلية مذهبية تعتنق مذهبا آخر غير المذهب الذي تتبناه الدولة، وبالرغم من كون بعض تلك الأقليات تمثل نسبة كبيرة قياسا مع عدد السكان تصل في بعض الأحيان إلى 20% إلا أنهم يعانون من جملة من التحديات الثقافية المتعلقة بالاختصاص المذهبي، مثل حظر بناء المساجد الخاصة بهم، وحظر الكتب المتعلقة بمذاهبهم، والتضييق عليهم في الدعوة والتوجيه، الأمر الذي يتطلب مراجعة مثل هذه المواقف وتصحيحها حتى لا يكون المسلم غريبا في موطنه، وحتى لا يصبح أتباع المذاهب الإسلامية أقلية في بلدانها .

فقد أدى التعصب المذهبي المقيت إلى زرع الخلاف والشقاق بين أبناء الأمة وتفتيت وحدتها وتقسيمها إلى أمم متخاصمة تتقاتل وتتنازع، فاستغل العدو المتربص بها هذا الانقسام والفوضى، فبسط سيطرته عليها وأمعن في إذلالها وقهرها، وكان السبب المباشر في كل هذا انعدام المنهجية الصحيحة للحـوار بين أبناء الأمة الواحدة، ذلك أن الحـوار بين الفرق والمذاهب الإسلامية لا يكاد يبدأ جدالا بالتي هي أحسن، حتى تتسلل إليه الحدة والشدة وتستولي عليه روح الضيق بالمخالفين والمسارعة إلى اتهامهم في أفكارهم ونياتهم وأخذهم بالشـبهة وسـوء الظن، فقد تصور الكثير من العاملين في حقل البحوث الفقهية من أبناء الأمة أن الحقيقة لا يمكن أن تتعدد وجوهها اعتمادا على التفسير الحرفي للنصوص وعزلها عن سياقها المقصود وعدم ربط الأحكام بعللها وغاياتها .

ولابد من الإشارة هنا إلى أن عددا من الأقليات الإسلامية في بعض البلدان الأوربية والأمريكية استطاعت أن تكتسب كيانا قانونيا يوفر لها إمكانية الاندماج في المجتمعات التي وفدت إليها بما لا يفقدها خصوصيتها الثـقافية ولا يؤثر في تركيبتها الاجتماعية، الأمر الذي جعلها تسـتطيع التعايش والحـوار مع مختلف الفئات الاجتماعية، كما وفر لها فرصا من التعامل المتكافئ مع الظروف المحيطة بها، ولكن هذا الأمر لا ينطبق على الأغلبية الساحقة من تلك الأقليات المقيمة في مختلف أقطار العالم التي تتهدد هويتها الثقافية مجموعة من المشكلات والضغوط التي أملتها طبيعة التباين في المعتقد والمنهج والتفكير، ولذلك فإن المحافظة على تلك الهوية الثقافية تتطلب جملة من المعطيات تتمثل فيما يلي:

1ـ  لابد لتلك الأقليات من أن تتمتع بسلامة العقيدة والفكر وقوة التمسك بالأخلاق والقيم، لأن الجماعات الإسـلامية خارج العالم الإسـلامي كلما كانت متماسـكة عقائـديا وأخلاقـيا كان ذلك أقـرب إلى التأثير الإيجابي في البيئة والمحيط الذي تعيش فيه، أما إذا ضعف كيانهم بسبب غياب الوعي الديني فإن ذلك سيؤدي إلى انسحابهم من ميدان التفاعل الحضاري وعدم مقدرتهم على التأثير بالمجتمعات المحيطة بهم .

2ـ  إن تلك الأقليات الإسلامية المقيمة في مختلف الأقطار تحتاج إلى أن نتعهدها بالرعاية الكاملة تربويا وثقافيا وأخلاقيا وفكريا حتى تبقى هذه الأقليات في منأى عن المؤثرات الضاغطة التي تهدد الوجود المعنوي لها وتضعف فيها المناعة الثقافية والأخلاقية، فتصبح فريسة الضياع والانحراف والتيه .

3ـ  إن العلاقة بين الأقليات الإسـلامية والمجتمعات من حوله ينبغي أن تقوم على أسـاس من القيم الإسلامية التي تصنع الفرد والجماعة، وتجعل من المسلم عضوا فاعلا ومؤثرا في محيطه وبيئته التي يعيش فيها، يتفاعل مع ما يسـود المجتمع من أفكار ومواقف، ويستوعب كل ما يجري من حوله بعين فاحصة وعقل مدبر وفكر نير.

إن الأقليات الإسـلامية مطالبة بأن ترتقي إلى مستوى المسـئولية في التعامل والتجاوب والتحاور مع المجتمعات المحيطة بها، وذلك بأن يكون لها حضور متميز في ميادين العمل العام، وأن تعطي صورة حقيقية للمسلم الذي يقدم الخير والفضيلة للمجتمع الذي يعيش فيه، بحيث لا يكون إنسانا انعزاليا سـلبيا، ولكن تلك المشاركة يجب أن تكون ضمن حدود الأحكام الشرعية بحيث لا تلغي فيه خصوصيته الإسلامية فيضيع وسط التيار المادي الجارف عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تكونوا إمعة  تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا»([2])

ولا شك أن الأقليات الإسلامية إذا ما وفقت في إقامة علاقات ثقافية مثمرة مع المجتمعات التي تندمج فيها وتتعايش معها، فإنها ستحقق لنفسها ولدينها فوائد كثيرة من أبرزها تقوية الروابط الإنسانية التي ترسخ الوجود الإسلامي في البلدان غير الإسلامية وتساهم في إبراز الصورة الحقيقية للإسلام وتعمل على تصحيح ما يروج ضده من مغالطات وافتراءات لدى الشـعوب غير المسـلمة، كما أن تلك العلاقات ستكون دعوة مفتوحة يتم من خلالها تبليغ الرسـالة الإسلامية إلى العالم بلغة مفهومة ومنطق مقنع وأسـلوب جذاب، من دون إخلال بجوهر العقيدة  أو بأصل من أصول الدين الحنيف .

وكل هذه الجهود الخيرة تتطلب التصرف الحسن والفهم الرشيد لمقتضيات العمل الثقافي في قنواته المتعددة، وإن ثقل المسئولية في هذا الجانب إنما يقع على عاتق منظمات العالم الإسلامي ومؤسساته الدعوية والمعنية بالعمل الثقافي، لأن الأقليات الإسلامية في حاجة شديدة إلى أن تقف تلك المنظمات إلى جانبها وتدعمها وتقدم لها الخدمات التربوية والعلمية والثقافية، وتوفر لها المساندة والمؤازرة في كافة الميادين، لأن نجاح الأقليات الإسلامية في حماية هويتها والمحافظة على عقيدتها يخدم في نهاية المطاف المصالح العليا للأمة الإسلامية.

 

المحور الثاني: صور التحديات الثقافية للأقليات الإسلامية .

المتابع لأوضاع الجاليات والأقليات الإسلامية يدرك ومن خلال نظرة سريعة إلى التقارير الصادرة حول أوضاع هذه الأقليات والتي تقدم تصورا عاما عن المشاكل والصعوبات التي يمرون بها أن التحديات التي يواجهونها شملت جميع جوانب حياتهم، ومنها حالات التمييز والاضطهاد ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، وتنوعت طبيعة هذه الحالات من الاعتداء على الأنفس بالقتل والضرب والتهكم، أو الاعتداء على الممتلكات بالإتلاف والتدمير والتخريب، ناهيك عن مقالات ومقابلات التشهير والتشويه التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون والعرب بشكل شبه يومي في مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ويمكن تحديد أبرز وأقسى تلك التحديات بما يأتي:

ـ الاعتداء على المساجد وإبعاد الأئمة :

حيث يقوم المتطرفون بالاعتداء على المساجد بالحرق والتفجير كما حصل في هولندا وفي غيرها، ولم يقتصر الأمر على قيام متطرفين هولنديين بحرق وتفجير مساجد ومدارس المسلمين ( حوالي 15 مسجدا ومدرسة إسلامية ) ولكن شرعت الحكومة هناك بتطبيق عدة إجراءات وبرامج سيترتب عليها الإضرار بمصالح ومكتسبات الأقلية المسلمة، وتشبه تلك التي اتبعتها أمريكا مع مسلميها عقب تفجيرات 11 سبتمبر .

وكان من أبرز تلك الإجراءات طرد أئمة ووعاظ بدعوى انتمائهم لجماعات متطرفة وتحريضهم على العنف، كما أقرت عدة دول خططا لمنع دخول دعاة عرب ومسلمين من الخارج، وتكليف مسلمي أوربا بتدريب دعاة وأئمة في الجامعات الأوربية لتولي مسئولية الرعاية الدينية لهؤلاء المسلمين، وجرى على سبيل المثال تحديد مهلة لمسلمي هولندا لتدريب أئمة من أهل هولندا مدتها أربعة أعوام يتم بعدها استبعاد أي إمام عربي آخر .

وقد أعلن كل من وزير الداخلية والعدل الهولنديين أنهم يبحثون سبل محاكمة الأئمة الذين يحرضون على ما وصفوه " بالكراهية والجها د ". و قال محافظ لاهاي أنه يبحث استخدام سلطاته في منع الأئمة الذين يتبنون هذه الأقوال أو إغلاق هذه المساجد . وأضاف: " والحقيقة أنه لا معنى لاحترام حرية العقيدة التي تنص عليها كافة المواثيق والقوانين في ظل هذا الوضع البوليسي الخطير" . ([3])

وفي السياق نفسه قررت بعض الدول الأوربية منح الأجهزة الاستخباراتية والأمنية المزيد من الاعتمادات المالية لتكثيف الرقابة على الأقلية المسلمة وتشديد الرقابة على أنشطة المساجد والدروس التي تلقى فيها، بما في ذلك خطب الجمعة ؛ بحجة تشجيع بعضها على العنف والإرهاب وكراهية غير المسلمين ([4]).

وفي لندن تظاهر أنصار مجموعة « الجبهة الوطنية » اليمينية المتطرفة البريطانية أمام أحد مساجد العاصمة الجمعة 9 أبريل 2004، ودعوا إلى إغلاق المساجد في بريطانيا مرددين هتافات معادية للإسلام.

وفي سويسرا والدانمرك تم سن قوانين للحد من دخول أئمة للبلاد، وبدأ الحديث يدور حول "هل يجب مراقبة أماكن العبادة؟ ". وطالبت منظمات مسيحية كبرى بإنشاء معهد سويسري متخصص في تأهيل وإعداد الأئمة، يخضع لإشراف جهات تعليمية تشرف على تعليمهم وتأهيلهم ليكتسبوا القدرة على " التعامل مع الحياة الغربية الليبرالية ".

وأشرفت وزارة الداخلية الفرنسية على تعيين "لجنة خبراء" تعمل على الخروج بخطة لتأسيس معهد للأئمة، وذلك بهدف مواجهة نفوذ ما أسمتهم بـ"الأئمة المتشددين" وعلى خلفية تفجيرات 11 مارس 2004 التي اتهم مسلمون مغاربة بالتورط فيها .

وسعت إيطاليا للسلوك نفسه، خصوصا أنها سبق أن طردت مدرسا جزائريا واتهمته بالانتماء لجماعة "إرهابية " بعد قيامه بإمامة المصلين بأحد مساجد روما في صلاة الغائب ترحما على الشيخ الشهيد أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية حماس الذي اغتالته إسرائيل يوم 22 / 3 /2004 .

والخطورة هنا أن هذه الحالات من الإبعاد روجت لها وسائل الإعلام تحت ذريعة محاربة التطرف الإسلامي ووجدت صدى لدى الأجهزة الحكومية للقيام بعدة خطوات للتضييق على المسلمين عموما، مثل الدعوة إلى طرد أئمة ووعاظ وخطباء بحجة انتمائهم لجماعات متطرفة، وقيامهم بأنشطة مريبة؛ وهو ما حدث فعلا في كل يوم حيث تقرر دوائر الهجرة إبعاد وطرد عدد من الأئمة والخطباء بدعوى التحريض على أعمال العنف، ويبدو أن تركيز الاهتمام والعداء على الأئمة المسلمين راجع لتصور غربي بأن الوعاظ والأئمة المسلمين يسعون لربط المسلمين الأوربيين بعقيدتهم وتعاليم الدين الإسلامي بما يعرقل خطط دمجهم في الثقافة والحياة الأوربية العلمانية، بما يصعب اندماجهم في حضارة الغرب .

ـ قضية المدارس الإسلامية :

قضية المدارس الإسلامية ليست في المباني والممتلكات بل في المناهج والمعلمين، بسبب أن المدارس إما أن تنشأ في كنف جمعية أو مركز، وتقوم بتعليم القرآن والعلوم الشرعية، وتحافظ على الروابط الأسرية، وإما أن تكون مدارس إسلامية خاصة استثمارية يشرف عليها مجلس إدارة وتكون مسؤولية أصحابها وإذا حصلت على دعم حكومي يكون هناك ضوابط لهذا الدعم .

إن المشكلة الحقيقة في المدارس الإسلامية تكمن في مشكلة المناهج التعليمية فحتى الآن لم يتفق المسلمون في أوروبا على منهج موحد يدرسونه في المدارس الإسلامية، بل حتى في البلد الأوروبي الواحد تتعدد المناهج والجرعات الدينية، وقد بذلت جهود كبيرة لغرض وضع مناهج موحدة للتعليم الإسلامي في الغرب، شارك فيها خبراء وتربويون وأكاديميون ودعاة، وهناك أكثر من منهج أقر وتم الاتفاق عليه، ولكن بقي أن يوضع موضع التنفيذ، ويقر من قبل الاتحاد الإسلامي الأوروبي والمنظمات والجمعيات الإسلامية .

والمشكلة الثانية التي تؤثر على وضع المدارس الإسلامية في أوربا، هي مشكلة المعلم فهي مشكلة مزمنة، حيث كان الاعتماد على الإمام أو الشيخ في المسجد لتعليم العلوم الشرعية، أو استقدام أساتذة ومعلمين من الدول الإسلامية، لكن الإشكالية في مثل هذه الحالات تبقى قائمة بسبب أن هؤلاء الأئمة أو الأساتذة المستقدمين لا يعرفون عقلية المسلم الأوربي ولا تفكير الجيل الجديد، ولا يستطيعون التفاعل معهم . الأمر الذي يتطلب البحث عن معلمين من نفس البيئة إمكانية التفاعل والتواصل بين الأساتذة والطلاب .

ـ الفتاوى المتعارضة :

تعد الفتاوى في البلاد غير الإسلامية وللأقليات المسلمة من القضايا الخطيرة والمهمة، وتمثل مشكلة كبيرة للمسلمين في البلاد غير الإسلامية، فهناك فتاوى متعددة وآراء متعارضة وتصورات كثيرة حول طبيعة التعامل مع تلك الأوضاع التي تعتبر جديدة على معطيات ومفاهيم الاجتهاد الفقهي الإسلامي .

    من الإشكاليات التي تتصل بموضوع الفتاوى الفقهية أن كل أقلية تلجأ إلى علماء من وطنها الأم، الجزائريون للجزائر، والمصريون لمصر وغيرها، والسوريون لسوريا، والعراقيون للعراق، وهكذا، حتى في مسائل بدء صيام شهر رمضان، وعيد الفطر المبارك وكانت الخلافات القومية والقطرية والمذهبية تشتد، ولكن تأسيس الاتحاد الأوربي للإفتاء الذي يشترك في عضويته دعاة وعلماء وفقهاء من أوربا مع الاستعانة بعلماء من العالم الإسلامي فوضع حلولا كبيرة لهذه المشكلة، من خلال حسم هذا المجلس للكثير من القضايا التي تهم المسلم الأوروبي، بحيث أظهر أن تجربة المسلمين الفقهية في الغرب قاربت من النضوج، عن طريق اعتماد فقه خاص هو فقه الأقليات الذي يراعي ظروف المجتمع للأقليات المسلمة والذي سنتحدث عنه باعتباره واحدا من الحلول الناجحة التي نأمل أن يدعم ليواصل مسيرة الإفتاء الفقهي للمسلمين في البلاد غير الإسلامية .

  ومن المشاكل التي تطرح في هذا المجال ما يتعلق بالفتاوى التي تمنع الأقليات المسلمة من المشاركة السياسية، حيث تحرم على المسلمين في الغرب المشاركة السياسية وحقهم في الانتخاب وحقهم في الترشيح، وقد دفعت تلك الأقليات ثمنها، وجعلت البعض يعيش على هامش الحياة السياسية، بل في عزلة مما يحدث، فهناك في الغرب ما يقرب من 30 مليون مسلم يستطيعون فرض قضاياهم، وترشيح أشخاص للمجالس البلدية أو النيابية وكسب تعاطف الكثير ولكن العزلة هي التي همشت المسلمين، ولم تجعل لهم وزنا في الحياة الحزبية والسياسية، إذا أخذنا في الاعتبار قيمة الصوت الانتخابي الواحد .

ـ الاندماج والذوبان في المجتمعات الغربية :

   ومن الأمور التي تؤرق الأقليات الإسلامية وتشغل تفكيرهم، حيث تختلف فيها الرؤى والطروحات موضوع الاندماج أو الذوبان في المجتمعات الغربية التي وفدوا عليها، فالكثير منهم يرى أنهم مواطنون أوربيون، ولهم حقوقهم في تلك المجتمعات، ولا أحد يستطيع أن يسلبهم هذا الحق، والدعوات التي تصدر هنا أو هناك بعودة المسلمين في أوروبا إلى العالم الإسلامي غير معقولة وغير مقبولة على الإطلاق، ولذلك فهم يدعون إلى الاندماج الإيجابي في مؤسسات المجتمع المدني، والذي يعني: أن تحصل على جميع حقوقك وتلتزم بجميع المسؤوليات وتكون مواطناً فاعلاً في المجتمع، مع الالتزام بدينك وعقيدتك وحقك في ممارسة شعائرك التعبدية، ولكن الخطر إنما يكمن في دعوات التطرف والعنصرية التي تريد ذوبان الأقليات المسلمة داخل المجتمعات الغربية، بحيث يتم التنازل عن الثوابت الشرعية والقيم والأخلاق الإسلامية.

 

المحور الثالث : مقترحات وحلول ومعالجات .

سنحاول هنا أن نعرض بعض الحلول والمعالجات التي نراها مناسبة لتخفيف المشكلات التي تعاني منها الأقليات الإسلامية والوقوف بوجه تلك التحديات الثقافية، ومنها:

ـ دعم المساجد والمحافظة عليها :

ويتم ذلك عن طريق العمل المؤسسي المحكوم بقوانين ولوائح الدول التي تعيش بها تلك الأقليات، بحيث تسجل الجمعية أو المركز أو المسجد باسم الجمعية المنشأة طبقاً للقانون، لنضمن بذلك نقل العمل الطوعي من العمل الفردي إلى العمل المؤسسي، وتفويت الفرصة على الذين يريدون التجاوز على المساجد من خلال التشكيك في ملكيتها .

كما نقترح إنشاء أوقاف في البلاد الإسلامية والبلدان التي تتواجد فيها الأقليات المسلمة يخصص ريعها لاحتياجات الأقليات الإسلامية من مساجد ومدارس ومستشفيات ونحوها .

ـ الاهتمام بالمدارس الإسلامية :

تعتبر المدارس الإسلامية راعية الثقافة الإسلامية للمسلمين في جميع أنحاء العالم، وخاصة للجاليات والأقليات الإسلامية، وهي التي تقف بوجه الدعوات المغرضة ضد الإسلام وثوابته ولها الدور الكبير في تثبيت المسلمين على دينهم وعقيدتهم، فقد ذكر أن منصرا نمساويا كلفه بابا الفاتيكان بتنصير مسلمي البوسنة، وقد عمل لمدة 10 سنوات لهذا الغرض، وأخيرا كتب للبابا يقول: لا أستطيع أداء المهمة لأن المدارس الإسلامية تقوم بتحصين المسلمين، وفي أي مكان توجد فيه مدرسة إسلامية لم يكن بإمكاني فعل شيء([5]) و لذلك فالمدارس الإسلامية بالفعل حارسة للإسلام والثقافة الإسلامية .

وأهم ما ينبغي التأكيد عليه في تلك المدارس هو تعليم كتاب الله تعالى باعتباره يقف في مقدمة المجالات التعليمية التي تحقق عملية التحصين الذاتي، والاهتمام بالدراسات القرآنية  قراءة وفهماً وتفسيرا، ابتداءً من الأسلوب التقليدي (حلقات المساجد) أو في المراكز الإسلاميّة والبيوت أو المعاهد .

ويتم دعم هذه المدارس عن طريق قيام المنظمات الإسلامية في زيادة ابتعاث المعلمين والمدرسين ليقوموا بتدريس العلوم الإسلامية بما يتناسب وتزايد تلك الأقليات وحاجتها إلى فهم أحكام هذا الدين .

كما يمكن دعم تلك المدارس من خلال إعداد معلمين من نفس البلدان التي تتواجد فيها الأقليات الإسلامية، وتقديم الدعم المادي لهم بسبب أن هناك قلة قليلة جدا هي التي تندمج في التعليم الشرعي لأسباب اقتصادية أو غيرها .

ويمكن دعم تلك المدارس الإسلامية من خلال توفير كادر كفء للقيام بتدريس اللغة العربية ونشرها بين الأقليات الإسلامية ذلك أن ثقافة أي مسلم إنما تعتمد على المصادر الثقافية الإسلاميّة وفي مقدمتها القرآن الكريم والسنة الشريفة، ومفتاح هذه المصادر هي اللغة العربية وهذه المشكلة يترتب عليها جهل حقيقي في فهم الإسلام، فعدم المعرفة باللغة العربية والاختلاف بين لغة الأقلية ولغة القرآن يتسبب في فجوة كبرى في الهوية الثقافية لهذه الأقليات بل قد ينتج عنه نمط خاص من التفكير خلال البحث عن المصادر الثقافية للفكر الإسلامي، الأمر الذي يتسبب في خطر أكبر يهدد هذه الفئات من المسلمين في عقيدتهم نفسها وحتى الأقليات التي تنحدر من أصول عربية أو شرقية تفهم اللغة العربية، فأنها تفقد علاقتها باللغة العربية بمرور الزمن، وخاصة بالنسبة للجيل الثاني والثالث، مما يتسبب في الذوبان في نمط التفكير الذي تخلقه اللغة الأجنبية الجديدة، وهي حالة خفية معقدة من حالات الفقدان التدريجي للهوية .

ـ استيعاب أبناء الجاليات في الجامعات الإسلامية:

ومن أجل تحقيق كفاية علمية وشرعية لدى الجاليات والأقليات الإسلامية ينبغي العمل على استيعاب أبنائهم للدراسة في الجامعات العربية والإسلامية لتأهيلهم علميا وثقافيا وليكونوا دعاة ومعلمين لتلك الأقليات، وبهذا يكونوا على قدر المسؤولية في المحافظة على مساجدهم ومدارسهم وتعليم الأجيال القادمة .

 ومما يدفع بهذا الاتجاه تسهيل زيارة أبناء الأقليات المسلمة إلى الأقطار الإسلاميّة لتعميق انتمائها بالدول الإسلاميّة ورسالتها الحضارية العالمية ووضع خطة لاحتضان المتفوقين من أبناء وبنات الأقليات المسلمة، ودعوة المنظمات والجامعات لتنظيم منح دراسية لهم وتنظيم ندوات علمية وثقافية تركز على المشاكل الفقهية والفكرية التي تواجهها الأقليات المسلمة نتيجة أوضاعها الخاصة وإيجاد حلول مناسبة .

ـ برامج إعلامية ودعوية للأقليات المسلمة :

حيث يقع على عاتق أجهزة إعلام البلدان الإسلاميّة مهمة أساسية في هذا المجال، إذ بإمكان القنوات التلفزيونية الفضائية والإذاعات تخصيص فترات من بثها لأغراض تعليم الأقليات المسلمة.

ومن التصورات الأخرى في المجال التعليمي والتربوي، قيام الأجهزة التعليمية والتربوية في البلدان الإسلاميّة بإعداد وطباعة المناهج التعليمية الدينية وإرسالها إلى مراكز وجمعيات ومدارس الأقليات المسلمة .

ويمكن دعم تلك الأقليات في هذا المجال من خلال تكثيف وتركيز إرسال المنتوجات الثقافية والإعلامية الإسلامية إلى هذه الأقليات، على شكل كتب تعليمية أو عامة ومجلات وأشرطة سمعية وبصرية وغيرها، ولاسيما تلك المعدة خصيصاً لمخاطبة الأقليات المسلمة في الغرب  إضافة إلى إنشاء إذاعات ومحطات تلفزيونية ووكالات أنباء ومؤسسات فنية وسينمائية خاصة بالأقليات وكذلك الاهتمام بإعداد الطاقات الإعلامية والفنية من أبناء الأقليات لسد أي فراغ محتمل في هذا المجال. ([6])  

ومن الأمور التي يجب أن تنهض بها الدول الإسلاميّة عملية تنسيق الجهود لإعداد أطر قادرة على القيام بمهام الدعوة الإسلاميّة لدى الأقليات المسلمة، على أن تتضمن الأطر عناصر نسوية مؤهلة، ووضع سلسلة من الكتب التعليمية المتكاملة عن الدين الإسلامي وشعائره ومبادئه، على أن تكون مبسطة وفي صورة مطبوعات ورسائل حديثة سمعية وبصرية، مع إيلاء عناية خاصة لترجمتها ترجمة دقيقة إلى لغات المناطق التي تقيم بها هذه الأقليات .

ـ الاهتمام بفقه الأقليات :

ذلك أن القاعدة العريضة للأقليات المسلمة في الغرب هي قاعدة مهاجرة بدوافع الحاجة، إما طلبا للرزق، أو طلبا للأمن، أو طلبا للعلم، أو طلبا للظروف المناسبة للبحث العلمي لذا كان هذا الوجود هو في عمومه وجود حاجة لا وجود اختيار، وقد وجدت هذه القاعدة العريضة نفسها في خضم ثقافة غربية مغايرة لثقافتها، بل مناقضة لها في  بعض مفاصلها المهمة، وهذا كله يتطلب أن يكون لهذه الأقليات فقه خاص يتناسب والظروف الجديدة التي وجدوا أنفسهم داخلها .

وقد اعتنى عدد كبير من الفقهاء المعاصرين بهذا الجانب واجتهدوا في استنباط مجموعة طيبة من الأحكام الفقهية للجاليات والأقليات الإسلامية، وكان للشيخ القرضاوي حفظه الله تعالى دور كبير في هذا المجال، مستندين في ذلك إلى جملة من القواعد الفقهية، مثل قاعدة مآلات الأفعال، وقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وقواعد الموازنة بين المصالح والمفاسد . ولكن الحاجة لا زالت قائمة في أن يكون لفقه الأقليات دور في بناء الرجال الذين يتخصصون بهذا النوع من الفقه الإسلامي، وأن يهتم هذا الفقه بإحياء الوقف الإسلامي في الغرب، فإهماله يعرض الأقليات المسلمة في الغرب لخطر كبير، إذا ما قارنا ذلك بما يقوم به أصحاب الديانات الأخرى في الغرب من جهود في هذا الصدد بما يخدم مصالحهم .

والواقع أن الأقليات الإسلامية بحاجة إلى دعم المؤسسات الإسلامية والعربية، وتشكيل مؤسسات سياسية وحقوقية وإعلامية وثقافية أخرى تقوم على سد الثغور بحيث تكفي مئونة الدفاع والبيان والبلاغ المبين لهذا الدين . ولا يخفى في هذا الإطار مدى أهمية التنسيق بين هذه المؤسسات بحيث تشترك في الأهداف والخطوط العامة للعمل على مواجهة التحديات المتواصلة .

ولابد من الإشارة هنا إلى أن سياسة تجفيف المنابع وتخويف الناس من المساهمة في دعم المؤسسات الإسلامية والعربية ماديا ومعنويا بدعوى الشك في مساندة هذه المنظمات للإرهاب أدى إلى نقص مؤقت في الموارد البشرية والمادية نتيجة الخوف، غير أن الواقع يشهد بأن التفاف المسلمين ودعمهم لمنظماتهم، وخاصة النشطة والجادة منها يعكس وعي الأقلية المسلمة والعربية على أهمية الدور الذي تقوم به هذه المنظمات في سبيل دفع الاضطهاد ورفع الظلم والمطالبة بالحقوق حسب ما نص عليه الدستور والقانون .

   وأخيرا فإن وحدة أبناء الأمة وتناسي الخلافات المذهبية واحد من أفرض الفروض التي ينبغي التأكيد عليها في هذه الأيام، ذلك أن الملاحظ على أتباع المذاهب والفرق الإسلامية سواء في البلدان الإسلامية أو في البلدان التي هم فيها أقليات أنهم يتعاملون بسلبية بعضهم مع البعض الآخر، وهذا لاشك موقف انهزامي لا يحل مشكلة ولا يوصل إلى نتيجة ولا يحقق هدفا، ولذلك فإننا نوجه دعوة مخلصة إلى كل مسلم أيا كان مذهبه وإلى أي مدرسة فقهية ينتمي أن يوطن نفسه للحوار والمناقشة مع الأطراف الأخرى لنبدأ سوية رحلة الحوار مع الذات فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، ومن لا يستطيع محاورة نفسه لا يستطيع أن يحاور الآخرين، ولتكن قاعدة الحوار فيما بينهم  (مذهبنا راجح يحتمل الخطأ ومذهب غيرنا مرجوح يحتمل الصواب) وليحيا الجميع في ظل القاعدة الذهبية للاجتهاد الإسلامي التي روي مضمونها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب كان له أجران وإذا اجتهد فأخطأ كان له أجر هذا لفظ النيسابوري، وقال ابن صاعد إذا قضى القاضي فأجتهد فأصاب فله أجران وإذا قضى فأخطأ فله أجر([7])»

فالفكر الإسـلامي يمتاز عن الأفكار الأخرى بما يحمله من وسائل فعالة في معالجة الآثار السـيئة للثورة العلمية والتقنية المعاصرة، ويجب على الجماعات الإسلامية أن تلفت أنظار الناس إلى هذه الميزة بدل أن تشغل نفسها في الوقوع بالخلافات والنزاعات المقيتة التي تجر الويل عليها وعلى علاقات الحوار بينها، ومن هنا يجب على المذاهب الإسلامية تحديد الوعي لحقيقة " العالمية " كما يفهمها الإسلام بحيث لا يكون الولاء والانتماء الوطني والإقليمي والقومي والمذهبي عائقا من عوائق تطبيق الحكم الـشرعي بصيغته العالمية خاصة بعد أن تحول العالم اليوم إلى " قرية صغيرة " نتيجة للثورات العلمية والتقنية في ميدان تبادل المعلومات وتطور وسائل الاتصال .

حسبنا أننا اجتهدنا، ومن الله التوفيق .

 

([1]) الحوار من أجل التعايش، د. عبد العزيز بن عثمان التويجري، دار الشروق  القاهرة  الطبعة الأولى  1419هـ 1998م ،  ص 139

([2]) سنن الترمذي، محمد بن عيس الترمذي، ج 4 ص 364،، المعجم الكبير للطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي  مكتبة العلوم والحكم  الموصل  الطبعة الثانية  1404هـ 1983م ج 9 ص 152، السنة للخلال، أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال، تحقيق د. عطية الزهراني، دار الراية  الرياض الطبعة الأولى 1410هـ  ج 2 ص 560.

([3]) بلاد تكره المساجد، أحمد زين، موقع عشرينات على الانترنيت، www.20at.com  .

([4]) العداء "المستتر" لمسلمي أوربا يتكشف في 2004، محمد جمال عرفة، موقع إسلام اون لاين www.islamonline.net   محور شؤون سياسية ـ أوروبا وأمريكا الشمالية

 

([5]) مدارس القرآن في البوسنة، موقع الشبكة الإسلامية على الانترنيت ،  www.islamweb.net، محور أقليات وقضايا .

([6])  الأقليات المسلمة في الغرب، محمد علي التسخيري، رسالة التقريب، العدد 29، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية،

 www.taghrib.org.

([7]) سنن الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر  الدارقطني، تحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني، دار المعرفة بيروت 1386 هـ 1966 م  ج 4 ص 204، الاعتقاد، أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق أحمد عصام الكاتب، دار الآفاق الجديدة  بيروت الطبعة الأولى 1401 هـ  ص 234.