حديث التقريب.. الاحياء الديني في مشروع جلال الدين المولوي

لقد تجاوز المولوي حدود ايران فأصبح موضع اهتمام إسلامي وعالمي، وأصبحت آثاره بالفارسية يعكف عليها الباحثون شرحًا وترجمة، وهو من الشخصيات التي قرّبت حول مشروعها المذاهب الإسلامية، بل أصحاب الأديان السماوية...
تجري هذه الأيام ندوات واحتفاليات لاحياء ذكرى جلال الدين المولوي، إذ إنه يعتبر في التقويم الإيراني من الرجال الذين يُحتفى بذكرهم سنويًا.
لقد تجاوز المولوي حدود ايران فأصبح موضع اهتمام إسلامي وعالمي، وأصبحت آثاره بالفارسية يعكف عليها الباحثون شرحًا وترجمة، ولأنه من الشخصيات التي قرّبت حول مشروعها المذاهب الإسلامية، بل أصحاب الأديان السماوية، كان لابدّ من وقفة عند مشروع هذا الرجل خاصة فيما يرتبط بالاحياء الديني.
من هو المولوي
هو جلال الدين، محمد بن محمد البلخي، ولد سنة 604 هـ في مدينة بلخ من مدن خراسان الكبرى، وتقع اليوم في أفغانستان، و والده عارف وفقيه رحلت
أسرته من بلخ وهو صبي، واتجهت غرباً، فلما وصلت نيسابور استقبلهم الشيخ فريد الدين العطار، ويروى أنه تلمّس في جلال الدين الصبي مستقبلاً مرموقاً.
ثم اتجهت الاسرة الى بغداد، ويقال إن شهاب الدين السهروردي استقبلهم هناك، ثم أدّوا فريضة الحج، وعادوا الى الشام، ومنها الى بلاد الاناضول أو الروم بدعوة من سلطان سلاجقة الروم، وسكنت الأسرة في -«قونية»، وتولى الوالد محمد المعروف ببهاء ولد منصب الافتاء والتدريس الى أن توفي سنة 628 هـ، فخلفه ابنه جلال الدين.
وجلال الدين تربّى على يد والده وكبار تلاميذ والده، فكان مؤهلاً لتولّي المسؤولية العلمية. وليستزيد من طلب العلم هاجر الى الشام وحصل على معارف واسعة في حلب ودمشق، ثم عاد الى قونية عالماً كبيراً.
وظلّ يواصل مهمّة التدريس والإرشاد حتى سنة 642هـ إذ حدث في حياته انقلاب كبير.
وملخص هذا التحوّل أن مجالسه تحولت من الطريقة التقليدية في تدريس الفقه والتصوّف الى مجالس روحية صرفة.
لقد قيل في هذا التحوّل كثيراً، وعزي الى لقائه بعارف كبير هو »شمس التبريزي«، غير أني أراه بمنظار آخر، وأحسب أنه ثورة على الاوضاع المتردّية في القرن السابع.
هذا القرن يمثل الحالة الفظيعة التي وصلت اليها مشاعر الامة الاسلامية من انتكاسة، والروح الاسلامية من هبوط، وهذا هو الذي وفّر أرضية اجتياح العالم الاسلامي على يد المغول وسقوط بغداد.
الدراسات الدينيّة صارت جافّة لا تخاطب الروح، والمدارس الدينية تحوّلت الى دكاكين.
واستفحلت الذاتيات والأنانيات، وظهر التمزّق الاجتماعي على أثر ذلك. ومن الطبيعي أن يتجه نظر كل مصلح في مثل هذه الاوضاع الى معالجة الروح والمشاعر. ونهض جلال الدين الرومي بمشروعه الكبير في الإحياء الديني منطلقاً من القرآن والسنّة، ومتعمقاً في النفس البشرية ليضع إصبعه على نقاط ضعفها وقوتها، وليدعو الى ارتفاع الانسان الى مستوى إنسانيته، وليجعل خطابه خطاب توحيد ووحدة:
1ـ مثنويّ ما دكان وحدت است غير واحد هرچه بيني آن بت است
1ـ مثنويّنا حانـــــــوت الوحــــــــــــــــــــدة وكلّما تراه غير الواحد فهو الوثن
وظلّ حتى آخر حياته يتحرّك ويحرّك، لا يهدأ حتى في أيام مرضه الأخير، إذ لم ير على وجهه الاّ الاستبشار مع أن الحمى المحرقة كانت تنهش بدنه. توفي سنة 672هـ ، بعد أن أقام الدنيا، ولم يقعدها حتى اليوم، إذ نرى كبار علماء الشرق والغرب يعكفون على دراسة آثاره واستخراج الدرر من كنوزه، ونرى إقبال الشعوب حتى الغربية منها على ترجمة نثره وشعره، ومن تلك الآثار:
1ـ «المثنوي» وكلمة المثنوي هي شكل من النظم الفارسي على طريقة «المزدوج» تتحد فيه قافية شطري كل بيت، لكن القافية لا تتحد مع قوافي الأبيات الأخرى. وسمّي الديوان باسم الطريقة التي نظمت بها أبياته.
2- ديوان شمس التبريزي، باسم من اشتهر بأنه ملهم جلال الدين في تحوّله الروحي.
3- الرباعيات، وهي منسوبة الى مولانا وعددها 1659 رباعية. إضافة الى المنثور الفارسي ويشتمل على:
المجالس السبعة،
مجموعة من الرسائل،
كتاب «فيه مافيه».
متى يكون الخطاب إنسانياً؟
شهدت مسيرة الآدابِ والفنون على مرّ التاريخ ملايينَ الشعراء والأدباء والفنانين، غير أن الخالدين منهم معدودون.
كثيرة هي دواوين الشعر العربي المطبوع منها والمخطوط والمفقود، لكن بين هذه الدواوين تبرز دواوين العظام من أمثال المتنبي والبحتري وابن الرومي وأبي العلاء لتشغل الناس والنقّاد والشرّاح ولتتجاوز الحدود وتتحدى عوامل الزمان والمكان.
وهكذا الأمر في بقية فنون الأدب والموسيقى والرسم والنحت، نرى الخالد من النصوص والروايات والسمفونيات واللوحات والتماثيل.
لعلّ سرّ الخلود فيها جميعاً يعود الى شيء واحد هو قدرتها على مخاطبة الانسان أيِّ إنسان على مرّ العصور.
والسرّ في هذه القدرة يعود بدوره الى انسجامها مع طبيعة الفطرة الانسانية.
مهما اختلفت المدارس الفكرية في نظرتها الى الانسان فإنها لايمكن أن تختلف في تميّز الكائن البشري عن سائر الأحياء المشهودة. إنه الموجود الوحيد القادر على الإبداع والتطوير والحركة في مسيرة الكمال المادّي والمعنوي.
قد تظهر على الساحة البشرية من الآداب والفنون ما تدغدغ غرائز الانسان وتستثير انفعالاته المختلفة فتستقطب حولها جماعات بشريّة يهلّلون لها ويرحّبون ويصفقون.. لكنها سرعان ما تزول.
ويبقى ما ينفع الناس.. وما ينسجم مع نزعة الكمال.
المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية/
الشؤون الدولية