المجمع العالمي للتقریب بین المذاهب الإسلامیة - الشؤون الدولية

حديث التقريب...... الإعلام والتقريب

حديث التقريب...... الإعلام والتقريب

يدعو المجمع العالمي للتقريب إلى بناء جهاز إعلامي على مستوى الهدف الكبير في إحياء الأمة وإقامة الحضارة اﻻسلامية الحديثة. هذا هو نداؤنا، وإنا على دعمه والمساهمة فيه معاهدون.

حديث التقريب
الإعلام والتقريب
 
شهد العالم في نهايات القرن الميلادي السابق ثورة عظيمة في الاتصالات صيرت منه كما يقال «قرية صغيرة»، وهذه الحالة الجديدة أفرزت تيارات أثّرت إلى حد كبير على الجو النفسي والفكري في العالم عامة وفي العالم الإسلامي بشكل خاص، وما يطرح في الساحة اليوم من قضايا «العولمة» و «العلاقة بين الحضارات» و «الغزو الثقافي» إنما هو من الآثار الإيجابية والسلبية لظاهرة الانفجار في حقل تبادل المعلومات والاتصالات.

مما لا شك فيه أن ثورة الاتصالات هذه أزالت الحواجز أمام الثقافات والأفكار، فجعلت الفرقاء وجهًا لوجه، وصيرت من العالم حلبة يفوز بها من له قصب السبق في هذه الثورة الإعلامية، فما هو موقع العالم الإسلامي من ثورة الاتصالات هذه؟ وكيف يمكن أن يتخذ منها وسيلة لدعم وجوده وقوته ووحدته والتقريب بين فصائله ومذاهبه؟

دور الإعلام في عالمنا الإسلامي

دور الإعلام في عالمنا المعاصر هو غالبًا شأنه شأن التقنيات الأخرى متخلف وهو غالبًا ذيلي تابع. إنه في أحسن أحواله يحاول أن يقلّد الإعلام الغربي. ولو أنه قلّده في الشكل والإطار والتقنية فقط لهان الأمر، ولكنه يقلّده كثيرًا في المضمون أيضًا، بل والأخطر من ذلك فإن بعض شبكات الإعلام في عالمنا الإسلامي تسير على نفس طريق التآمر الإعلامي على العالم الإسلامي على الصعيد السياسي والفكري والخلقي، مثل تكريس مفهوم العولمة بمعناه الأمريكي، ومفهوم الشرق أوسطية، ومفهوم القبول بواقع الهزيمة، ومثل إثارة المشاكل القومية والطائفية والحدودية، ومثل إشاعة الفساد والفحشاء والإثارات الجنسية حتى في أفلام كارتون الأطفال.

وإذا أردنا أن نجد مكانًا في إعلام عالمنا الإسلامي لموضوع استعادة الهوية الإسلامية وتربية الجيل على الشعور بالقومية الإسلامية والانتماء الإسلامي، وخلق روح التآخي والوحدة والشعور المشترك بين المسلمين فلا نجده، اللهم إلا في الفضائيات المنطلقة من محور المقاومة أو في فلتات الوعظ والمقابلات مع العلماء المخلصين لرسالتهم. أما الاتجاه العام فيسير على عكس ذلك تمامًا.. يتجه نحو إثارة بؤر النزاع والمواجهة المشاكسة بين المسلمين، كما يتجه نحو قبول كل معادلات الهيمنة التي تريد أمريكا وإسرائيل أن تفرضها على المنطقة، وتخلق لهذا القبول أجواء موهومة من الرعب الكاذب والأمل الكاذب.
 
الصفات الغالبة على إعلامنا في العالم الإسلامي من وجهة نظر التقريب

1- العلمانية والتركيز على فصل الدين عن الحياة، وتضخيم الأخطاء التي تصدر عن بعض الإسلاميين للإساءة إليهم جميعًا، ومحاولة إعطاء صفة التخلف والدكتاتورية والعنف على الاتجاه الإسلامي. وهذا يؤدي إلى تمزيق الأمة إلى علمانيين وإسلاميين، وإلى إسلاميين معتدلين وإسلاميين متطرفين، وغالبًا ما تكون هذه التقسيمات وهمية ناشئة عن ذهنية كاذبة يخلقها الإعلام.

2-  التركيز على المفهوم القومي المتعصب الذي يثير مشاعر العداء تجاه الغير، ويجزئ الأمة إلى عربي وفارسي وطوراني، بل أحيانًا يثير النزاعات المحلية بين أبناء القومية الواحدة ليفتتها إلى فرعوني وفينيقي وبابلي.

   3- صبّ الزيت على الاختلافات الحدودية بين المسلمين ليشعل نار الحروب بين البلدان الإسلامية ضمن إثارات قومية وإقليمية ومحلية.

 4-  إثارة الاختلافات والحساسيات الطائفية بين المسلمين عن طريق عرض المشاهد المنحرفة والممارسات الخاطئة للجهلة من أبناء بعض الطوائف، وعن طريق ما يسمى بالحوار بين أبناء الطوائف الذي هو أشبه بالمباريات المذهبية بينهم كما سأذكر.

5- الاتجاه نحو ضياع المثل الأعلى عند المسلمين عن طريق عرض حشد هائل من الأفلام والمسلسلات والمقالات والبرامج التي تحوّل المتعاطين مع هذه الوسائل إلى موجودات بيولوجية صرفة لا هم لها سوى البطن والفرج، والمتطلبات اليومية التافهة من الحياة.

وضياع المثل الأعلى وسط هذه الزحمة من المثل العليا الهابطة المنخفضة يؤدي إلى تمزق المجتمع، وإلى أن يفكر كل فرد بهمومه اليومية وبذاته، فتستفحل الذاتيات الضيقة وتؤدي إلى النزاعات الفردية، وقد تأخذ هذه النزاعات أحيانًا صفات أخرى كالنزاعات الفئوية والقبلية والحزبية، لكنها في واقعها ذاتية لا تستمد وجودها إلا من الذاتيات الفردية، وليس لها وقود يغذيها سوى الأهواء والشهوات الهابطة.

هذا هو واقع إعلامنا في العالم الإسلامي بشكل عام والاستثناء موجود طبعًا ولكنه مغطى بحشد هائل من الضجيج.
 
 
  الإعلام التقريبي المطلوب

المطلوب في عالمنا الإسلامي إعلام:

يخلق وحدة شعورية وعاطفية بين المسلمين في كل أرجاء الأرض.
ويؤكد على الهوية الإسلامية والانتماء الإسلامي.
ويرشّد الصحوة الإسلامية ويبعدها عن الزيغ والانحراف والإفراط والتفريط.
ويربي أبناء الأمة على العزة والكرامة والشخصية الإسلامية.
 ويضع أمام الجماهير مَثَلها الحق ويدعوها إلى أن تعبئ طاقاتها للسير نحوه.
ويعالج الحساسيات القومية والطائفية والإقليمية الموروثة، وهكذا الاختلافات السياسية والحدودية بشكل يدفع بها إلى أن تصب في المصلحة الإسلامية العليا.
 ويوضح للأمة مصيرها المشترك أمام التحديات والأخطار والتهديدات المحدقة بها.
ويكشف عن الخطط الرامية لتمزيقها وتذويبها ومصادرة هويتها والانقضاض على استقلالها الفكري والسياسي والاقتصادي.
ويتناول كل ما من شأنه أن يخلق العودة الإسلامية إلى ساحة الحياة..

وهل هذا ممكن؟

قد يكون الجواب: لا، ودليل النافين واضح، فإن الحالة السياسية للأمة الإسلامية – على رأيهم – بعيدة عن اتخاذ موقف إعلامي يرتفع إلى مستوى المسؤولية.

هذا صحيح… ولكن المفردات الدّالة على الإمكان أيضًا موجودة، ولا بد من تنضيجها ودفعها إلى النمو، كي تكون فاعلة. ومن أهم هذه المفردات:
1-  تجربة الإعلام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي تجربة يشوبها الكثير من التخلف والنقص والأخطاء، لكنها بمجملها تجربة جديدة في حقل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، تحاول أن تسير في خطوطها العامة على منهج واحد يستهدف مخاطبة الروح الإسلامية واستثارة المشاعر الإسلامية وتوحيد الصف الإسلامي.

2-  فرصة التعاون الإعلامي داخل منظمة التعاون الإسلامي، وقد توفّرت  لهذه الفرصة روح جديدة في بعض دوراتها، ومن الممكن أن تتواصل هذه الروح لو وضعت قواعد وأسس جديدة لتفعيل أجهزة المنظمة وخاصة أجهزتها الإعلامية.

 3-  تصاعد الاهتمام العام بين المخلصين من أبناء الأمة في طرح بدائل للإعلام المنحرف الموجود، وتبلور هذا الاهتمام في ظهور إعلام إسلامي يحاول أن يملأ الفراغ.

4-  تنامي الصحوة الإسلامية، وهي ظاهرة لا بدّ أن تفرز  إرادة لإعلام ينسجم معها فكريًا وسياسيًا. ولا بد أن تتبلور هذه الإرادة عاجلاً أم آجلاً في مشروع إعلامي إسلامي.

 5- ابتعاد الإعلام المنحرف عن الفطرة والجذور، فالإعلام المنحرف قد يثير زوبعة من الجذب والانشداد إليه عبر الاستفادة من دوافع الرغبة في الجديد والحديث والجميل والمثير عند الناس، لكنه سيتبين بعد أمد أنه دعوة رجعة إلى البهيمية وإهدار الكرامة الإنسانية، فتمل منه النفوس، وتتركه وتلفظه، لتبحث عن الجديد الحقيقي لا السرابي، والجميل الواقعي لا الشهواني، والمثير العقلاني لا الغوغائي، وهنا أدعو الباحثين الإسلاميين في حقل علم النفس والاجتماع أن يدرسوا «نظرية الفطرة» كما طرحها القرآن، لنعرف الفرق بين الثابت والزائل وبين الكلمة الطيبة والخبيثة في الساحة الاجتماعية.
وقد يتذرع الرافضون لإمكان انبثاق إعلام إسلامي تقريبي موحّد بعدم إمكان المنافسة مع الإعلام المنحرف.

فالإعلام المنحرف يعتمد على الجنس والإثارة وتقديم الجديد باستمرار بينما الإعلام الإسلامي – كما يتصور هؤلاء الرافضون – يعتمد على الخطاب الوعظي وتقديم النصائح. وهذا تصور خاطئ للإعلام المطلوب. فالإعلام المطلوب يجب أن يواكب الزمن ويقدم الجديد الحقيقي باستمرار لكي يكشف عن زيف الجديد السرابي الذي يقدمه المنحرفون. ويجب أن يمارس «الحكمة» في خطابه وينحو إلى «التي هي أحسن» في سبله وتقنياته الفنية. أما قضية الجنس فأعتقد أن فطرة الإنسان تميل إلى العفّة وحفظ الكرامة وضبط الشهوات شرط أن نحسن مخاطبة هذه الفطرة وأن نستثيرها لتنهض مما ران عليها من ركام انحرافات العصر المادي. أما قضية الإثارة فهي أيضًا مطلوبة في الإعلام شرط أن تستخدم على الطريق الصحيح، وأقف هنا لأشير إلى قضية «الحوار» السائد في الإعلام عامة والفضائيات المرئية في عالمنا الإسلامي بشكل خاص.
هذا الحوار يتناول عادة قضية «مثيرة» يشترك في مناقشتها أفراد لهم وجهات نظر مختلفة.

أن تكون القضية «مثيرة» هذا أمر لا غبار عليه لأن القناة الإعلامية تستهدف تناول القضايا التي تهم المشاهد وتدغدغ عواطفه ومشاعره وأفكاره. ثم أن تطرح وجهات نظر حرّة ومختلفة في تناول القضية، هذا أيضًا أمر لا ضير فيه ضمن إطار مفهوم ]الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ[. والأمر إلى هذا الحد مطلوب أيضًا في الإعلام الإسلامي المتحرك الناهض. لكن الأمر في الفضائيات شيء آخر، فباسم الحوار يتحول المشهد إلى مباريات أشبه بمباريات كرة القدم، وكلما كانت ساخنة أكثر كانت أنجح وأقدر على جذب المشاهد كما هو في ذهن المعدّين لهذه الحوارات. وقد يصعّدون السخونة، أحيانًا إلى حد النزاع والخصام، والفائز في هذه المواجهة عادة مقدم البرنامج الذي استطاع أن يشدّ أعصاب المشاهدين إلى برنامجه لساعات في حالة من التوتر والتشنج، كأنهم يتفرجون على متنازلين في حلبة المصارعة الحرّة.

والخطورة في هذه المواجهة حينما تطرح قضية ذات حساسية مذهبية أو طائفية، وقد يتعمّد مقدم البرنامج إلى طرحها أو قد يعمد أحد المتحاورين إلى طرحها لهدف مبيّت عنده. فتتركز الطائفية بذلك اللهم إلا إذا استطاع المتحاور الآخر أن ينأى عن الدخول في هذا النزاع الطائفي ويركز على رحاب الإسلام الواسعة .

دعوة التقريب تحتاج إلى الخطاب الإعلامي كحاجتها إلى الخطاب الفكري والعلمي. والإعلام المهيمن لا يخدم هذه الدعوة، فلا بدّ من التفكير الجاد في سبل النهوض بإعلام يقوم على قاعدة من تراث الأمة ومزيجها العقائدي والشعوري ويخدم مصالحها في بناء الإنسان الذي يستشعر العزّة والكرامة والشخصية الإسلامية المتميزة، ويوثق عرى الأمة في إطار الهوية الدينية المشتركة والآمال المشتركة والتحديات المشتركة، ويضع أمام الجماهير مثلها الأعلى ويستنهضها للتحرك نحوه، وفي الساحة الإسلامية اليوم أكثر من عامل يساهم في تحقيق هذه الفكرة الهامة.

المجمع العالمي للتقريب يدعو إلى بناء جهاز إعلامي على مستوى الهدف الكبير في إحياء الأمة وإقامة الحضارة اﻻسلامية الحديثة. هذا هو نداؤنا، وإنا على دعمه والمساهمة فيه معاهدون.
 
 
 
 
                                              المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
                                                               الشؤون الدولية