الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الاسلامية حجة الاسلام و المسلمين الدكتور "حميد شهرياري" :حديث التقريب بعنوان : ائتلاف القلوب في ساحة رب العالمين

حديث التقريب بعنوان : ائتلاف القلوب في ساحة رب العالمين

حديث التقريب بعنوان : ائتلاف القلوب في ساحة رب العالمين

حديث التقريب : ائتلاف القلوب في ساحة رب العالمين


حلّ علينا شهر رجب الأصمّ، وهو من الأشهر الحُرُم التي لها في المنظومة الإسلامية التربوية مكانة خاصّة.
إنه شهر عبادة وتهجّد وصيام لبعض أيامه، وهو شهر يزيد فيه عباد الله الصالحون من تضرعهم وارتباطهم بربّ العالمين.
في مثل هذه الأجواء الروحيّة يرتفع فيه العارفون بحقّ هذا الشهر في رؤاهم وآمالهم إلى مستوى تذوب فيه الصغائر، وتسمو فيه النفوس، وتتآلف القلوب، وتنشدّ إلى مصدر العزّة والـمَنَعة والقوة.. إلى ربّ العالمين.

كثيرًا ما يدور الحديث عن التقريب بين المذاهب الإسلامية وعن وحدة الأمة الإسلامية في إطار أصول المذاهب وفروعها وكلامها وفقهها، وقلّما يهتّم التقريبيون بالجانب الروحي والتهذيب المعنوي والتطهير النفسي، وبدور هذا الجانب في ائتلاف القلوب ونزع الأغلال من الصدور.

لقد اهتمّ علماء السلف بهذا الجانب أيّما اهتمام استنادًا إلى ما آمنوا به من ضرورة البناء الداخلي للإنسان قبل كل شيء. واستنادًا إلى قوله سبحانه. "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، وانطلاقًا من قول رسول الله(ص): «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

ومن المهم أن نعرف أن أحاديث أهل السنة والشيعة في الجانب الأخلاقي متفقة تمامًا. أي إن الأتفاق بين الفريقين يبلغ مائة في المائة في أهم ساحة من ساحات المنظومة الإسلامية.

ولذلك تجد ما في كتاب «المحجة البيضاء» للعلامة محسن الفيض الكاشاني (ت 1091هـ)، وهو من الكتب الأخلاقية المهمة في مدرسة أهل البيت(ع) يتضمن المأثور في الأخلاق، والمطبوع في 8 مجلات يتطابق إلى حد كبير مع ما ورد في «إحياء علوم الدين» للغزالي (في القرن الخامس)، وهو أيضًا من أهم كتب الأخلاق لدى أهل السنة.

في ساحة تهذيب النفس وتقويم السلوك، والانشداد بالله لا يوجد اختلاف مذهبي. وهي الساحة التي يجب أن يقوم عليها التقريب بين المذاهب الإسلامية. ففي هذه الساحة تذوب الأنانيات والطائفيات والأهواء النفسية في رحاب ربّ العالمين.

كثيرٌ من الخلافات والنزاعات الطائفية وراءها عُقُد نفسية وأمراض اجتماعية وإن تظاهرت بأنها تدافع عن هذا المذهب أو ذاك، فلو كانت النفوس مهذبة، وكانت الأهداف رسالية إلهية لما حدث نزاع، حتى مع وجود اﻻختلاف . فاختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية كما يقال.

إنه شهر رجب. شهر الرحمة والبركة والمناسبات التاريخية العظيمة. شهر التقريب بين القلوب، وتنقية الأجواء من الحسد والبغضاء والذاتية والأنانية والطائفية والعنصرية. شهر ندعو فيه بعد كل فريضة: «يامن أرجوه لكل خير، وآمن سخطه عند كل شر، يامن يعطي الكثير بالقليل، يا من يعطي من سأله، يامن يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه، تحننا منه ورحمة، أعطني بمسألتي إياك جميع خير الدنيا وجميع خير الآخرة، واصرف عني بمسألتي إياك جميع شر الدنيا والآخرة، فإنه غير منقوص ما أعطيت وزدني من فضلك يا كريم.. يا ذا الجلال والاكرام، ياذا النعماء والجود. ياذا المن والطول حرّم شيبتي على النار بمحمد وآله الأطهار».

وفي مقاطع هذا الدعاء يعيش الإنسان أجواء العطاء الإلهي الكبير على الإنسان، حتى بحق من لم يعرفه ومن لم يسأله!!
ويستلهم من هذا الأجواء ما يعينه على أن يتعالى على الصغائر والضغائن، وأن يرتبط بأخيه الإنسان، فهو إما أن يكون أخا له في الدين أو شبيها له في الخلق كما يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام.

وبعد فإنما التضرع إلى الله أولا أن يؤلف بين قلوب المسلمين Pلَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ .
 
                                            الدكتورحميد شهرياري
                            المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية