حديث التقريب ..

مسألة المهدي المنتظر برؤية تقريبية حضارية

مسألة المهدي المنتظر برؤية تقريبية حضارية

مسألة المهدي المنتظر
برؤية تقريبية حضارية

بمناسبة 15 شعبان يوم مولد المهدي المنتظر(ع)

البشرية تطوي مسيرتها بين الأمن والخوف، وبين الظلم والعدل، وبين التقدم والانتكاس، وفي آخر مراحل المسيرة سيسود العدل والقسط، وتعمّ ربوعّ البشرية الأمن والسلام.

هذه هي باختصار فكرة ظهور المهدي المنتظر عليه السلام. هل هذه الفكرة دينية أم إنسانية عامة، لا إنها فكرة إنسانية. فأكبر المدارس الأرضية لا السماوية تؤمن بهذه الفكرة. هذه الماركسية تؤمن بأن البشرية تطوي مراحل تكاملها من مجتمع الاقطاع إلى المجتمع البرجوازي إلى المجتمع الرأسمالي ثم في النهاية تسود الشيوعية ربوع العالم وفيها يعمّ العدل بين البشر ويزول الصراع الطبقي في المجتمعات.

وهذه هي المدرسة الغربية تؤمن كما نظّر لذلك فوكوياما في كتابه «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» بأن البشرية تطوي مراحل تكاملها حتى تبلغ في النهاية مرحلة الليبرالية الديمقراطية حيث تتحقق عندها كل آمالها.

وأما الأديان اليهودية منها والمسيحية فإنها تنتظر أيضًا ظهور منهج ينقد البشرية مما تعانيه من ظلم وويلات على اختلاف في تفاصيل نظرتها.

وفي الإسلام تجمع المذاهب الإسلامية استنادًا إلى ماورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) وقوله: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ).

واستنادًا إلى ما تواتر في السنة أن المهدي سيظهر في آخر مراحل مسيرة البشرية (أو ما يسمى في النصوص آخر الزمان) وفي عهده سيزول الظلم وتمتلئ الأرض قسطًا وعدلا.

وهنا أودّ أن أشير إلى أن هذه الفكرة (فكرة المهدي عليه السلام) بسبب ظروف تاريخية اتخذت إطارًا مذهبيًا وكأنها من معتقدات مدرسة أهل البيت وليست كذلك. 

فهي موضع إجماع أهل السنة والشيعة على اختلاف في بعض التفاصيل ونشير هنا إلى فتوى المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة حيث جاء فيه: «إنه آخر الخلفاء الاثني عشر الذين أخبر عنهم النبي(ص) في الصحاح»، «وأن الاعتقاد بخروج المهدي واجب وأنه من عقائد أهل السنة والجماعة ولا ينكره إلا جاهل بالسنة ومبتدع في العقيدة».

طبعًا إن خطاب الجمهورية الإسلامية يتجه إلى أن المرحلة الأولى عندنا هي الثورة الإسلامية، ثم بعدها قيام الجمهورية الإسلامية، وبعدها إقامة المجتمع الإسلامي ثم في النهاية إقامة الحضارة الإسلامية الحديثة.

وما دور فكرة المهدي عليه السلام في إطار هذا الخطاب؟ أهم دور لهذه الفكرة في مسيرة الأمة نحو بناء الحضارة الإسلامية الحديثة هو (الأمل) الأمل في المستقبل.

في خضم هذا الصراع العالمي بين القوى الاستكبارية، وفي هذه الأجواء الملبّدة بالتهديدات النووية والجرثومية قد يساور البعض اليأس من مستقبل الإسلام بل من مستقبل البشرية، ونسمع من هنا و هناك أفكارًا تشاؤمية بشأن فناء العالم وفناء الكرة الأرضية بسبب ما تدخره القوى المتصارعة في خزاناتها من أسلحة الدمار الشامل.

فكرة المهدي ترفض هذا التشاؤم، وتؤمن بأن البشرية تنتظر مستقبلها الزاهر رغم تلبّد غيوم الخوف والإرعاب والقتل الهمجية. وترفض أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، بل إنه بالإمكان أن يتحقق حلم البشرية مستقبلا في عصر ظهور المهدي عليه السلام.

فكرة المهدي ترسّخ في النفوس بأن الليل مهما أظلم والأزمات مهما اشتدت فثمة يد المدد الغيبي ستمتد لانقاذ شعوب الأرض من هاويتها.

وانتظار المهدي بعد ذلك يحث المؤمنين على تمهيد الأجواء لهذه المرحلة المباركة الميمونة بالإعداد لها تربويًا وفكريًا ونفسيًا وعلميًا وقياديًا، يحدوهم الأمل أن العاقبة للمتقين.


المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية
العلاقات الدولية